20 سبتمبر 2025
تسجيلإن كان نتنياهو وما تبقى من فريقه مهموماً ظاهرياً وعلنياً باليوم التالي في غزة، فإنه في حقيقته وواقعه، باطناً وسراً مهموم باليوم التالي بنفسه وفي تل أبيب، أكثر مما هو مهموم باليوم التالي في غزة، في ظل الصمود الأسطوري الذي صمدته غزة على مدار 12 أسبوعاً، وذلك في وجه الجيش الذي طرح نفسه على مدار عقود بأنه الجيش الذي لا يُقهر، مدعوماً بحبال أمريكية وغربية ظاهرة وعلى الملأ، مما جعل المعركة معركة الغرب كله في مواجهة فصائل عسكرية محاربةٌ أصلاً في سلاحها ورزقها، وقد أوصد الجيران الأبواب وسدّوها في وجوهها حتى في لقمة عيشها، فضلاً عن الصمت والتواطؤ العالمي إزاء المذابح العلنية التي تجري بحق أحياء بكاملها مما دفع الفايننشال تايمز لتقول إنه حسب استطلاعها ودراستها فإنه حتى الرابع من ديسمبر تبين أن أكثر من 68% من مباني غزة قد دمر، وقالت الواشنطن بوست إنه في الأسابيع الثلاثة الأولى تم تدمير ضعفي ما تم تدميره في مدينة حلب بين عامي 2013 و2016 على أيدي طيران النظام والروس والمليشيات الإيرانية. نتنياهو اليوم وبحسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية فإن الغالبية العظمى تعتبره المسؤول عن فشل الحرب، ولذلك أسبابه وخلفياته منذ قضايا الرشا التي يواجهها في المحكمة مروراً بالتعديلات الدستورية التي فرضها، وأغضب من خلالها المؤسستين العسكرية والأمنية، حتى حلفاءه الغربيين والأمريكيين تحديداً، وبعده تحالفه مع الجناح المتطرف وهو ما لا يروق للغرب والأمريكيين تحديداً، ولكن سياسته في العدوان على غزة والتعاطي مع ملف الأسرى أزعج الداخل الإسرائيلي وحتى الخارج الغربي، ولذا فإن نتنياهو اليوم بحسب التايمز البريطانية معني بشكل أساسي في الحفاظ على جلده السياسي، وباعتقادي فإن حالة توقف الحرب ستبدأ جردة الحساب بين الإسرائيليين أنفسهم، التي سيتم فيها تقديم نتنياهو ككبش فداء لما جري وسيجري من تداعيات لطوفان الأقصى وسط المجتمع الإسرائيلي. توماس فريدمان لم يتمالك نفسه وهو يطالب الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب من غزة، لأن نتنياهو أصبح عديم الفائدة تماماً ولا يصلح زعيماً، وهو الذي يعطي الأولوية لاحتياجاته الانتخابية على مصالح الإسرائيليين، ناهيك عن مصالح أفضل صديق لإسرائيل، وهو بايدن، وحين يتحدث فريدمان عن ذلك يدرك حجم الكسر الذي تسببه زلزال السابع من اكتوبر في المجتمع الإسرائيلي، الذي لم يعد يثق بقدرات استخباراته التي كانت تسوق معرفتها بحماس، فأثبتت السابع من اكتوبر جهلها بها، كما لم يعد يثق بجيشها الذي لطالما روّج عن قدراته بالتعامل معها، فخيب ظنه في السابع من أكتوبر. اسرائيل التي كانت تتقدم بقوة على مسار التطبيع مع الدول العربية، ليصل التطبيع لدى بعض الدول إلى التطبيع الديني من خلال طرح فكرة الإبراهيمية، وهي الأديان الثلاثة، الإسلام، والمسيحية واليهودية، وإسرائيل التي اخترقت دولاً عربية في مسار التطبيع معها، اليوم تجد نفسها معزولة، ومنبوذة، وسيصعب عليها خلال السنوات المقبلة مجرد طرح فكرة التطبيع، نتيجة المجازر والمذابح التي ارتكبتها في غزة، وقد أشار استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن 96% من السعوديين يعتقدون أن الدول العربية يجب أن تقطع جميع علاقاتها مع إسرائيل احتجاجاً على الحرب في غزة، و91% يعتقدون أن الحرب في غزة هي انتصار للفلسطينيين والعرب والمسلمين رغم الدمار والخسائر في الأرواح. بالطبع اليوم التالي في واشنطن ليس بأقل كلفة أمريكية عن اليوم التالي في غزة، فقد استيقظت أمريكا فجأة على عزلتها، وكررت استعمال حق الفيتو وهو ما كانت تنتقد فيه روسيا بحق السوريين، وظهرت أمريكا في غزة معزولة شعبياً ورسمياً، وتحوّلت الأنظار عن حرب أوكرانيا إلى غزة، ولم يعد أحد يتحدث عما ترتكبه وتفعله القوات الروسية في أوكرانيا، هذا عداك عن المصداقية والشرعية التي فقدتهما أمريكا عالمياً وعربياً بالتحديد، ونحن نرى خسائرها الكبيرة على صعيد القوة الناعمة، إن كان في الجامعات التي ظهرت وكأن الزمان عاد إلى زمن المكارثية اليسارية في الخمسينيات والستينيات، بالإضافة إلى ما تعرضت له رمزية هوليود من المضايقات والطرد لرموزها، فقط لأنها رفضت النازية الصهيونية ودعمت بالمقابل الحق الفلسطيني، وقد توج ذلك بحملة شعبية لمقاطعة البضائع الغربية، وخروج الملايين بمظاهرات منددة بالجرائم الصهيونية في غزة. الأوهام التي حملها نتنياهو وزمرته منذ البداية بسحق حماس والقضاء عليها، ثبت أنها لا مكان لها في أرض الواقع، ليس نتيجة الصمود والصبر والمصابرة التي أبداها المقاومون ومن كل الفصائل، مدعومين بحاضنة مجتمعية قوية، وإنما الأهم من ذلك أظهر أن حماس ليست منظمة إرهابية معزولة عن شعبها وأمتها كما سعت إلى ذلك الآلة الغربية الدعائية لتسويقها، فقد أظهر التعاطف العربي والإسلامي والإنساني مع الحركة وصمودها أن القضية أكبر من تنظيم وفصيل، وأن التعاطف متجذر بكل مناحي الحياة، ووسط كل شرائح الأمة، مما سيحتم على المعتدين أن يعيدوا التفكير في أوهامهم، بأن حماس والمقاومة فكرة، والفكرة لن تموت. هذا الواقع سيفرض مستجدات على الساحة الأمريكية والغربية، فيوم جديد ينتظرهم ومختلف عن اليوم الذي سبق العدوان على غزة، وعلى الجميع التعاطي معه، لاسيما ونحن نرى صمود المقاومة لـ 12 أسبوعا متتالية، ونرى الجيش الذي وصف بأنه الجيش الذي لا يُقهر يستجدي هدنة مؤقتة، بينما المقاومة ترفضها وتدعو إلى وقف العدوان بشكل كامل، كل هذه الوقائع على الأرض تؤكد أن اليوم التالي الجديد، والمختلف سيكون في ديار العدوان وداعميه وليس بديار الضحية والمعتدى عليه. القاتل بلا هدف سياسي، هو قاطع طريق، شخصاً كان أو فصيلاً أو دولة، ونهاية الاحتلالات التي تمارس مهمة قاطع الطريق معروفة، إنه الرحيل عن الأرض، حصل هذا برحيل كل الاحتلالات التي كانت ترى قوتها في إجرامها وبطشها وجبروتها، وسيرحل المحتلون المفتقرون للشرعية وللهدف السياسي من حروبهم العبثية، وجيش الاحتلال في غزة اليوم بلا هدف سياسي، يمارس بلطجية قاطع الطريق، ونهايته كنهاية كل الاحتلالات من قبله ومن بعده.