15 سبتمبر 2025
تسجيلكنت في صغري أقرأ هذا المثل عند العرب ولا أخفي عليكم كيف كنت استغرب دائما ان للعرب مثلا أو مقولة مأثورة كهذه تدحض المفاهيم التربوية والقيميّة التي تربينا عليها في البيت والمدرسة. فلا يفتأ والداى يعلماني أن أحسن الظن حتى تربيت عليها ونبذت كل مفهوم يجافي هذه الحقيقة التربوية التي عززت مفهومها المدرسة، بل اذكر كيف كانت الحكم والأمثال العربية مادة غنية نتوج بها مخطوطات ولوحات الصف ونزين بها أروقة المدرسة، فضلا عن اننا نختار قيما حكمية لإذاعتها في طابور المدرسة لتكون هناك حكم نتتلمذ عليها وحكمة تسمى حكمة اليوم. ليس الوالدان فقط والمدرسة أيها الرفاق الذين تربيتم مثلنا على هذا المبدأ بل حتى تقويم الشيخ الأنصاري المجاني الرائع — وأخصّه بالذكر — "كتب الله له أجره " الى يوم القيامة لا يفتأ ان يضع لنا أسفله حكمة اليوم التي نفرح بها يوم أن كنّا في أيام التمدرس الأولى والتي سأطلق عليها "عصر الورّاقين" قبل عهد الكمبيوتر نستخدم كل وريقة غنية بالمعرفة مصدرا لنا من مصادر المعرفة فلا تلبث تلك التتابعات التربوية تغدق علينا قيم "أحسنوا الظن بالناس". اذكر كيف استوقفتني — في حصة الإنشاء — حكمتان للعرب حول موضوع حسن الظن إحداهما تدعو لحسن الظن والأخرى مقولة العرب هذه التي أخذتها من قصاصات المعرفة وأنا اشك في مضمونها او في طبيعة قائلها لأنها تجافي القيم التي يربتون بها على ظهورنا ويصفقون لنا بها، ولأن العرب درجوا على طريقة تعليم تأخذ العلم على انه مسلمات لا تقبل المناقشة وهذا عيب في حد ذاته، لذلك لا غرابة ان وجدتم من اخذ بمدرسة حسن الظن بكامل مسلماتها، ومن اخذ بمدرسة سوء الظن بكامل مسلماتها، فالأمر يعتمد على مصدر التربية، فضلا عن انه ليس من مفر أمام حدّة العرب الذين أشبعونا بمواقفهم الصارمة في الحياة التي يمثلونها وهم يفتخرون.... "ونحن أناس لا توسط بيننا..." حتى بلغت النضج وعرفت ماذا يقصد العرب الناضجون الذين أوجع من خبر الحياة منهم حسنُ ظنّه حتى اغتيل من تحته او طعن من ظهره. لذلك التمست لهم العذر ولكن ليس على إطلاقه.. فالعرب أشبعونا بالأمثال فقالوا بسوء الظن ولكنهم في الوقت ذاته فسروا لأولئك السوداويين الذين اتخذوا هذه المقولة دينا وديدنا،إنه الاستثناء وليس الخُلق لأن الأصل هو "أنا عند حسن ظن عبدي" وقد يقول قائل إن التعاملات الإلهية تختلف عن البشرية وهذا صحيح ولكن ذلك لا يعني تغليف الأعين بنظارات سوداء ترى كل شيء سوءا أو تشكك في كل أمر أو كل امرئ او في كل نية...! كما يحلو للبعض فالله تعالى أمرنا باجتناب الظنون السيئة عز من قال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" الحجرات 12 حتى العرب أنفسهم أطلقوا المقولة ولكنهم فنّدوا مساوئ عموم إطلاقها في غيرها من أدبياتهم، فالجاحظ في كتابه "البرصان والعرجان" أورد: (قيل لبعض العلماء: من أسوأ الناس حالاً؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله. ) وقال عمر بن الخطاب: "لن ينتفع بعقله، حتى ينتفع بظنه". وقال محمد بن حرب: "صواب الظن الباب الأكبر من الفراسة." وقال بلعاء بن قيس: وأبغي صواب الظن، أعلم أنه... إذا طاش ظن المرء طاشت مقادره.؟) فهل يقصد العرب إذا الفكر التحليلي النقدي وعدم اخذ الأمور على علّاتها ووضع الثقة العمياء فأخطأهم أو خانهم التعبير بالقول سلفا بسوء الظن دوما كما في ذاك المثل الذي وللأسف طغى على عقول الناس وقلوبهم حتى غدت السلبية وسوء الظن وحدّته منهجا لدى الكثير.. ومن ثم غدا من يتخلق بحسن الظن اليوم ساذجا وسط هذه الغابة البشرية الغاشمة التي تنبأ بها العرب منذ القدم لفطنتهم وحصافتهم؟ إلى السوداويين المتشككين... اتعظوا واجتنبوا كثيره...و"بعضه اثم" وإلى كل من تألموا أو طعنوا من ظهورهم لحسن ظنهم وتربيتهم......... "الحياة مدرسة" وكفانا الله وإياكم شرّ اثنين على إطلاقهما. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com