18 سبتمبر 2025
تسجيلمع بدء التعافي النسبي للاقتصاد الأمريكي وتطور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد وزيادة معدلات النمو والصادرات وانخفاض معدل البطالة وتحسن ظروف سوق العمل وزيادة مؤشرات الإنتاج الصناعي وزيادة مبيعات العقارات والسيارات وغيرها من السلع الرأسمالية، بدأت تتعالى أصوات الكثير من الخبراء والمحللين بمطالبة البنك المركزي الأمريكي "الاحتياطي الفيدرالي" للبدء في تحريك أسعار الفائدة بالبنوك والتي مازالت قريبة من الصفر منذ الأزمة العالمية في نهاية 2008 وبسبب سياسة التيسير الكمي التي طبقها البنك المركزي الأمريكي، ومن ثم إعادة السياسات النقدية إلى طبيعتها. إلا أن فريقاً آخر من الخبراء يرى أن هذا التعافي الاقتصادي الأميركي ما زال هشاً وأن معدل النمو مازال واهناً وأن معدل التضخم مازال منخفضاً، وأن سوق الإسكان والبناء لم يتعافى بشكل كامل، بما يعنى أن هُناك العديد من المؤشرات الدالة على استمرار الركود الاقتصادي بالبلاد، بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية مازالت تمر بحالة شديدة من ضعف النمو، وكذا وجود بعض الاضطرابات الجيوسياسية حول العالم والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على معدل النمو الاقتصادي الأمريكي، ويصنف هؤلاء الخبراء ذلك التعافي الاقتصادي الذي تمر به الولايات المتحدة الأمريكية بما يسمى "مقاومة الانكماش". وتُعرف مقاومة الانكماش بأنها تلك الفترة التي يتزايد فيها نمو الناتج المحلى الإجمالي للدولة في ظل سيادة أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل بأدنى من مستواها الطبيعي في فترات الرواج، ويؤكد أعضاء هذا الفريق على أن أسعار الفائدة القريبة من الصفر قد أنقذت الاقتصاد العالمي من الانهيار، لذا فقد طالبوا السلطات النقدية بالبلاد بضرورة الإبقاء على سعر الفائدة المنخفض لفترة مستقبلية قادمة "طويلة نسبياً" حتى يتم الوصول إلى مرحلة التشغيل الكامل ولتكتمل كذلك عملية إعادة الاعتماد المالي على الذات.ومن ثم فإن أصحاب هذا الرأي يرون أن حالة مقاومة الانكماش هذه لن تكون قصيرة الأجل، وأنه حتى بعد انتهائها فإن رفع أسعار الفائدة سيظل أقل من المتوسطات التاريخية لفترة أخرى طويلة نسبياً، لذا فهم يؤكدون على ضرورة تعلم بعض الدروس المستفادة من حالات سابقة لمقاومة الانكماش سواءً حدثت بالمجتمع الاقتصادي الأمريكي أو العالمي، والتي يأتي في مقدمتها أن انخفاض وضغط أسواق السندات في ظل تحسن الأحوال الاقتصادية فإن هذا يعنى زيادة أرباح الشركات وارتفاع أسعار وعوائد الأسهم مقارنة بكافة أدوات الدخل الثابت. ومع إدراكنا بأن المرحلة التي يمر بها العالم حالياً "خاصة في الدول الغربية" ليست هي المرة الأولى التي تنخفض فيها أسعار الفائدة القصيرة والطويلة الأجل معاً وبشدة خلال المائة عام الأخيرة، وإنما هي المرة الثالثة، وأن علينا أن ندرك كذلك بأن أسعار الفائدة وعوائد السندات المنخفضة جداً في المرتين السابقتين قد استمرت سنوات عديدة حتى عادت إلى مستوى الأسعار التقليدية... ومن ثم فإنني أرى أن على السلطات النقدية الإبقاء على سعر الفائدة المنخفض حتى مع تحسن الأوضاع الاقتصادية، لأن ذلك سيؤدى بالضرورة إلى تسريع وتيرة التعافي وزيادة عوائد الأسهم بالبورصات العالمية.وفى ظل قناعة البنك المركزي الأمريكي وتخوفه من اتخاذ قرار رفع أسعار الفائدة الذي تعمد تأخيره لسنوات طويلة خشية حدوث أية أزمات مالية جديدة، فقد أتخذ مجلس إدارته الذي اجتمع في منتصف سبتمبر الماضي قراران هامان لتعزيز تلك القناعة تمثل الأول منهما في إنهاء برنامج التيسير الكمي اعتبارا من أكتوبر 2014 والمعنى بضخ بعض الأموال في شرايين الاقتصاد الأمريكي من خلال شرائه المزيد من السندات والديون الأمريكية، وتمثل الثاني في الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستواها الحالي القريب من الصفر لفترة أخرى "لم يحددها البنك" والتي يبدو أنها لن تكون قصيرة، بما يعنى استمرار حالة صعود أسواق الأسهم الأمريكية وتفوقها على سوق السندات.ويتضح مما سبق عزم البنك المركزي الأمريكي على تثبيت أسعار الفائدة لفترة ليست بالقصيرة حتى يعود النمو الاقتصادي للبلاد لحالته الطبيعية وحين تنخفض معدلات البطالة بشكل ملموس وبلوغ معدل التضخم عند الحدود المستهدفة،حينئذ يمكن أن يبدأ البنك المركزي الأمريكي وكافة البنوك المركزية بالدول الصناعية في تحريك أسعار الفائدة بشكل متدرج للحد من أية مخاطر أو صدمات محتمله... ومع مراعاة أن التحرك نحو زيادة الفائدة المتدرجة يجب أن يكون بطيئا لضمان وجود بيئة مستقرة تسمح بخلق المزيد من النمو، وضرورة البعد عن القرارات المفاجئة لرفع أسعار الفائدة لتلافى حدوث الكثير من الأضرار الجانبية للاقتصاد الأمريكي وكذا تجنب العواقب الوخيمة لجميع دول العالم وفي مقدمتها دول الأسواق الناشئة.