20 سبتمبر 2025
تسجيليروي من عرف الرئيس الراحل ياسر عرفات، أنه حين تجول خارج مقاطعته التي كان يقيم فيها برام الله، فوجئ بسرطان المستوطنات الإسرائيلية وهو يتفشى ويلتهم الأراضي الفلسطينية، فالتفت إلى مرافقه قائلاً: "لم يبق شيءٌ نفاوض عليه، لقد اغتصبوا الأرض كلها!" وكما قيل فإن التاريخ ظل الجغرافيا، والقائد الصيني الراحل ماوتسي تونغ قال قولته المشهورة: "تفاوض على المكان الذي تصل إليه نيران مدافعك". تذكرت هذا كله وأنا أرى هرع أعضاء اللجنة الدستورية السورية لمفاوضات المعارضة السورية إلى جنيف، بعد أن تقزّمت مفاوضاتهم ولجانهم من جنيف والانتقال السياسي، إلى مهزلة الحديث عن الدستور، بل يمنّ النظام على العالم كله بأنه عاد إلى مفاوضات اللجنة الدستورية، بعد تسعة أشهر من الانقطاع، وهي عودة عكست خيبة أمل الوسيط الدولي (غير بيدرسون) ذاته، كونها لم تسفر عن شيء! وما تزال طبخة الحصى مستمرة. قارن بين مفاوضات اللجنة الدستورية حول مواد دستورية لا تُسمن ولا تغني من جوع في ظل نظام برميلي، كيماوي قيصري، يحمل في تضاعيفه كل رزايا الخليقة ومصائبها، وبين دول كبرى وإقليمية وهي تهرع للحديث عن الجانب العسكري التفصيلي، الذي هو محلّ الفوز والنصر، وليس الحديث عن هلاميات دستور لن يطبقه وينفذه أحد، فرئيس الوزراء الإسرائيلي يلتقي بوتين ليتحدثا عن الواقع العسكري وتحركات الطيران الإسرائيلي المقبل، والإيراني يعلن أن لا مستقبل للأمريكي في سوريا وعليه الانسحاب، ويشدد بدوره على أن لا خلاف بينه وبين الروسي في سوريا، في حين تنشغل المعارضة بالدستور الذي لم تحترمه العصابة لعقود، وهي التي خنقت شعبها بالكيماوي وقتلته بالبراميل المتفجرة وبالاحتلالات والعصابات الأجنبية، فهل عصابة بهذه المواصفات تنتظر الدستور؟! باعت روسيا ومعها النظام السوري وهماً لبعض الدول العربية اللاهثة وراء التطبيع مع النظام، وباعت معها الوهم ذاته لبعض القوى الدولية، يوم ضغطت ظاهرياً على النظام بالعودة إلى مفاوضات اللجنة الدستورية الذي قاطعها لتسعة أشهر، لتتظاهر بأنها قدمت شيئاً مقابل انفراجة بعض الدول العربية على النظام السوري، وكذلك رفعاً للحرج الأمريكي، يوم ابتلع تهديداته السابقة بمعاقبة كل من يتعامل مع النظام السوري، وفقاً لقانون قيصر الذي فرضته بحق النظام، فموسكو ودمشق وطهران تعمل مجتمعة على عامل الوقت، في استنزاف المعارضة السورية، وحلفائها، وتشتيت قوتهم، والأخطر من هذا، وهو من تجليات التفاوض مع النظام هو ما حصل مع المفاوضين في أوسلو، حين اتكأت عليها بعض الدول للتفاوض وعقد الصفقات مباشرة مع تل أبيب، متذرعة بأنه ما دام الفلسطينيون يتفاوضون مع الإسرائيليين، إذن فالمشكلة في طريقها إلى التسوية، ولذا كررت بعض الدول العربية هذه المعزوفة اليوم مع السوري، على الرغم من أن الإسرائيلي لم يسبق له أن قتل ربع ما قتله النظام السوري، ولا استخدم أسلحة دمار شامل، فضلاً عن استدعاء احتلالات ومليشيات طائفية لقتل الفلسطينيين. اليوم لا يتذكر أحدنا مفاوضات أوسلو ورجالها وأقطابها، إلاّ بأنهم خُدعوا وخَدعوا شعبهم في فلسطين، ولا يذكرون تلك المفاوضات إلاّ على أنها بقعة سوداء في تاريخ النضال الفلسطيني، فقد شرعنوا وجود احتلال دون أي ثمن، ولعل النظام السوري سيكون أبرع بكثير من الصهاينة في تشويه وإحراج كل من تفاوض معه، ولعل فيما قاله وفد النظام السوري في آخر جلسة، عن تجريم كل من تنظيمات الإخوان المسلمين والنصرة والجيش الحر، صورة تنتظر من صدّر نفسه للتفاوض في حال انتصر نظام الكبتاغون، وبالتأكيد لم تهدد إسرائيل مفاوضها الفلسطيني بما هدد به النظام السوري، وهنا لا أقلل من إجرام إسرائيل، بقدر ما أقيس أفعال نظام على أسوأ حقبة واحتلال في تاريخ الأمة. وتبقى الكلمة الفصل في ذلك هي أن الجغرافيا من تحدد مفاوضاتك، وقل لي كم تملك من الأرض أقل لك نتيجة مفاوضاتك، وما دونها عبث في عبث.