10 سبتمبر 2025

تسجيل

المساعدات المالية في السياسة الدولية

26 سبتمبر 2023

في العلاقات الدولية ثمة سياسة تسمى المساعدات الدولية، وهي تحويل موارد دولة لأخرى لسبب طارئ في وقت معين لتحقيق أهداف معينة مباشرة في وقت المساعدة أو تحقيق أهداف غير مباشرة طويلة الأمد، لكن الدول تقع دائماً تحت سندان التذمر من المواطنين للظاهر من المساعدة، دون أي اعتبار للعلاقات الدولية والظروف المحيطة بهذا الفعل. في السياسة الدولية تأتي المساعدات على شكلين، شكل ظاهر، وهو الذي تراه الجماهير والذي يكون في إطار أموال تخرج من حساب الدولة إلى حساب دولة أخرى كمعونة مالية غير مرتجعة في أزمة تتعرض لها الدولة الأخرى باختلاف أنواع الأزمات، في الغرب يراها المواطن أنها أموال الضرائب التي كانت يجب أن تعود له على شكل خدمات، وفي الشرق يراها المواطن على شكل أموال الثروات التي كانت يجب أن تعود له على شكل مكتسبات. الشكل الثاني للمساعدات هو ما يراه أهل السياسة والعاملون والخبراء فيها، وهي التي من خلالها يحققون ما يحققونه لدولهم، وتتعدد أسبابها، وتتقدمها الأسباب الإنسانية، لكننا في السطور التالية سنفرد بعضاً من أسبابها وليست جميعها. هناك مساعدات مرتبطة بالجانب الديني أو العرقي أو الإقليمي أو الطائفي أو المذهبي وفق توجهات الدول السياسية، وقد تطول فترة هذه المساعدات، وقد يمتعض المواطنون في دولة معينة منها بسبب تغير الزمن أو الفهم أو الترويج السياسي أو التعاطي الإعلامي، لكنها واقعة ومستمرة والدول تحتاج لها لضمان أمنها أو لأي من الأسباب التي ذكرتها في المقدمة. فلسطين مثلاً بالنسبة للعرب، هي قضيتهم التي يستمر الدعم لها ما دامت أرضاً محتلة، واجبة الفعل عليهم وجزء لا يتجزأ من الأمن القومي للدول العربية، وكلما رُدِع الكيان الصهيوني في مكان فإن مدينة عربية في مكان آخر أمنت نفسها لسنوات، ففلسطين أرض الرباط التي يجب أن تبقى حية، بغض النظر عن أسباب دعمها المباشر وغير المباشر من كل دولة، كما أن مساعدات الدول العربية الغنية للدول العربية الفقيرة تأتي في إطار تقوية منظومتنا العربية، بغض النظر عن الاختلافات السياسية، لكن وجود منظومة عربية قوية يقوي الجميع وضعفها يضعف الجميع. وتقدم الدول المساعدات لتقي نفسها ويلات الأزمات التي قد تحدث في مكان آخر، والتي قد تؤثر على المدى البعيد عليها في أحد جوانب إدارتها للدولة، فعلى سبيل المثال يتم تقديم المساعدات الآن لأوكرانيا من دول العالم لأسباب مختلفة منها الإنسانية، ومنها من الدول القريبة من أوكرانيا التي ترى أنها قد تكون التالية، ومنها التي ترغب بهزيمة روسيا وهز صورتها وإدخالها في أزمة اقتصادية وعسكرية وسياسية، ومنها من يساعد أوكرانيا حتى لا تتأثر صادراتها بما يؤثر على استهلاكها المحلي وسلاسل الإمداد المختلفة (أوكرانيا أكبر مصدر لزيت الذرة ورابع مصدر للقمح والذرة)، هذه الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب ستؤثر في كل بيت في العالم على مستوى القمح مثلاً، وإن لم تتوقف الحرب فإن الأسعار سترتفع وستدفع الدول أضعاف ما تدفعه من مساعدات لأوكرانيا حالياً. وتقدم الدول المساعدات على شكل منح تعليمية للدول الفقيرة التي تعاني مشكلات كبرى في التعليم وخاصة في إفريقيا وآسيا، فهذه المساعدات وإن كانت من جانب إنساني في مقام معين، فإنها في مقام ثان تساهم في نهضة الأمم والقضاء على الجهل الذي قد يولد الجريمة ويزيد من احتمالية انتشار الفساد من محيط هذه الدول لمحيط عالمي أو انتشار الهجرة غير النظامية التي تؤدي لمشكلات من كافة الأنواع والأشكال. أيضا هناك المساعدات في وقت الأزمات الصحية التي تساهم في القضاء على انتشار الأمراض والسيطرة على الأوبئة والتي لو لم تتدخل الدول فيها لزاد انتشارها وكانت تكلفة العلاج منها أعلى بكثير من القضاء عليها في مهدها. وهناك مساعدات تدفعها الدول الغنية، والدول المستعمرة سابقاً، والدول التي ما زالت تحت الحماية مثل دول التاج البريطاني على سبيل المثال، أو الدول التي تتعرض لمضايقات مستمرة من جيرانها مثل كوريا الجنوبية وهونغ كونغ في سبيل حماية نفسها من أي تهديد إقليمي محيط بها. وهناك مساعدات بأشكال كثيرة مثل المساعدات الرياضية، أو المساعدات الثقافية، أو البيئية أو غيرها مما يساهم في تحقيق أهداف هذه الدول أو في فرض سياسة معينة في هذه الدولة أو في وقاية نفسها من شر مستقبلي أو في تحقيق غاية إنسانية سامية. لكن.. ماذا تحقق هذه المساعدات؟ تحقق هذه المساعدات للدول الكثير من المكاسب على المدى البعيد، فعلى سبيل المثال لا الحصر تساهم في بعض الأحيان في فرض أجندات معينة على هذه الدول مثلما كانت تفعل بعض الدول الأوروبية في إفريقيا، أو تساهم في زرع ثقافة مثلما حدث مع الفرانكفونية في إفريقيا أيضا. كما أن هذه المساعدات تساهم في منح الدول الضوء الأخضر للقيام بمشاريع كبرى، فبعض الدول حصلت على الضوء الأخضر لشراء نوع معين من الأسلحة مثلاً بسبب ذلك، أو إقامة مشاريع طاقة نووية أو إقامة مشاريع صناعية كبرى أو تحالفات سياسية معينة، ولم يكن لذلك أن يكون لولا أنها قدمت مساعدات مباشرة للدولة التي منحتها الضوء الأخضر (وغالبا تكون من الدول الكبرى) أو للدول المتحالفة مع هذه الدولة الكبيرة. والمساعدات تساهم أيضا في بناء التحالفات على المدى البعيد وبناء نوع من اتفاقيات الحماية المشتركة وإن لم تكن موقعة كما حدث في الكثير من الأزمات السياسية التي وقفت فيها دول مع دول كانت تساعدها دائماً، وتخلت فيها دول عن مواقف الحق لأن الدولة صاحبة الباطل من الدول التي تقدم لها منحاً أو مساعدات مستمرة. وقد تكون المساعدات أيضا شكلاً لبناء تحالف للمكاسب المشتركة في عمليات التصويت المختلفة، فهذه الدولة تساعد دولاً محددة في وقت معين لأنها تمتلك حق التصويت في منظمة دولية، أو لأعضائها القدرة على التأثير على قرار مؤسسة أممية، أو لحكومات يمثلها أفراد يملكون حق التصويت للفوز باستضافة حدث عالمي كالألعاب الأولمبية مثلاً. وهنا يجب أن نذكر أن الجمهور يفرح بأي إنجاز تحققه بلادهم، في مشروع قومي، أو في استضافة حدث عالمي، أو في الفوز في التصويت، لكنها لا تعلم كيف تحقق هذا الإنجاز، أو كيف نالت بلادهم حق الاستضافة، أو الفوز بالمنصب، أو التصويت، أو غيره. إن المساعدات المالية في السياسة الدولية تختلف اختلافا كليا عن العلاقات بين الأفراد، لهذا لا يجب أبداً النظر لأي فعل سياسي من المنظور الاجتماعي الفردي الضيق، ولا الحكم عليه في إطار أن كل شيء عندي يجب أن يكون لي، فأنت لا تعيش في العالم وحدك.