27 سبتمبر 2025
تسجيليتعرض المسلمون في شتى أصقاع الأرض لاضطهاد ديني وابتلاءات متعددة، حيث لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن التعذيب والتنكيل الذي يتعرض له المسلمون، أو التطهير العرقي والقمع وإلابادة الجماعية، دون تدخل من العالم. كل هذه الإحباطات والاضطهادات تجعلنا كمسلمين نشعر بالإحباط واليأس. فكيف عالج منهج الإسلام ذلك، كي يصنع القوة النفسية لمواجهة اليأس والإحباط. تجدون في هذه السطور تلخيصي لمحاضرة استمعت لها بنفس العنوان عبر اليوتيوب، فتأثرت بها كثيراً وأحببت مشاركتكم بها لأهميتها. اهتم منهج الإسلام بمعالجة الإحباطات الفكرية والصدمات، لأن اصلاح الفكر وسلامة الفهم وصحة التصور هو أساس استقرار وثبات القلب واطمئنان النفس والتحرر من اليأس. ولكي يصنع الإسلام رباطة الجأش كان لا بد من أن يصحح للمسلمين ما لديهم من أفكار. فتركزت المعالجة الفكرية على تثبيت عقائد في القلوب وترسيخ معانٍ ومنهجيات في الأذهان فما هي هذه المعاني والمنهجيات؟ جاء الإسلام بالمنهجية الأولى، ليقول لنا اسمعوا: أنتم على الحق المبين، فكل الذي يحدث حولكم لا يجعلكم تظنون أنكم على خطأ، حتى يستقر في نفوسنا أننا على الحق فلا يدخل لأنفسنا الريب. فإذا علمت أنك على الحق المبين فلا يداخلك الشك بعد ذلك. ثم يقول تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، فنحن نؤمن بأننا تحت مشيئة الله وقدره، فحسن التوكل على الله وصدق الالتجاء إليه والاعتماد عليه يبعث في النفوس الإطمئنان. إذاً لماذا كل هذا يقع بالمسلمين؟ ولماذا لا تؤمن الناس؟ فيأتي منهج الإسلام الثاني لكي يزودنا بالمعلومات التي يجب أن نعرفها، ويقول لنا: اعلموا ايضاً أن أعداءكم يعرفون أنكم على الحق، لولا أن أنفسهم قذرة، ولا تريد أن تعترف بالحق، فقال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا". وقال: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون". لنعرف أن جحود الحق هذا بسبب قاذورات الأنفس ذلك أن نفوسهم ليست زكية وليست سوية. هم يعرفون أن الهدى في اتباع الرسول، ولكنهم يخافون على مصالحهم فهم يسيرون تبعاً لمصالحهم، حتى وإن كانت باطلا. يقول تعالى: "إن نتبع الهدى معك نُتخطف من أرضنا"، و "حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق"، "في قلوبهم مرض"، "قلوبهم في زيغ". فإذا عرفنا أن قلوبهم المريضة تعرف الحق وتنكره فلا يصيبنا إذاً تكذيبهم وإعراضهم بالإحباط. ثم جاءت المنهجية الثالثة لتقول لنا: أنتم أحبطتم لأنكم اعتقدتم أن ما يصنعونه من التكذيب والسخرية والتعذيب غير متوقع، ولكن ما فعلوه هو المنهج الدارج والدائب من أهل الباطل في مواجهة أهل الحق. وهذا هو ما يحصل باستمرار، يقول تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبيٍ عدواً شياطين الإنس والجن". فهذه قاعدة ليس فيها استثناء، كل الرسل تم معاداتهم، فكلهم فعلوا وتصرفوا نفس التصرف. "وكذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون". فالتاريخ البشري كله هكذا وضعه، فما يحدث للمسلمين ليس عجيبا، بل هذا هو الطبيعي على مر العصور. ولكن لقصور معلوماتنا اعتقدنا أن هذا غريب. كل الرسل تعرضوا للسخرية، فنوح عليه السلام وطوال ألف سنة، كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه. وقالوا عن خير البشر: اهذا الذي بعث الله رسولا؟ فهل يسخرون من قصر ثوبك؟ هل يضحكون من التزامك، من لحيتك، من حجابك؟ كل هذا متوقع، وحدث مع الأنبياء، فإذا هذا ليس غريبا. فإذا عرف المسلم أن البشرية كلها فيها هذا الرفض والسخرية والإعنات. وأن تاريخ البشر هو التكذيب والتعذيب والاستهزاء، فلا يعظم في نفسه تكذيب المكذبين، ولا يصاب بالإحباط جراء موقفهم من دعوته أو حجابها أو التزامه. ثم جاءت المنهجية الرابعة لتقول لنا: إن منهج الإسلام الموحى به إليكم هو منهج ملاحظ في داخله العوائق التي سوف تحدث لكم. فهو ليس منهجا خياليا ولا منفصلا عن الواقع. فكونكم تواجهون العوائق، فهذا هو من منهج الإسلام، بل إن العوائق جزء أساسي من الإسلام. ومعرفة كيف نتخطى هذه العوائق هو أيضا من منهج الإسلام. وفي قصة طالوت مصداقاً لذلك، فطالوت عندما تولى قيادة الجيش، عرض جيشه لعدة اختبارات متوالية حتى أخرج منهم الصامدين الذين حققوا النصر. هذه العوائق والمحبطات هي من عناصر تكوين الرسالة والنصر كذلك، فلن ينتصر المسلمون بدون أن تتحقق فيهم صفة الصبر. يقول تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين آمنوا منكم ويعلم الصابرين"، فالإسلام لن ينتصر إلا إذا وجد بشرا يتلذذون بالصبر لله. فالإسلام يعلمنا أن النصر مع الصبر، بل هو شرط للنصر. والصبر عزمة من عزمات الدين وهو نصف الإيمان. فإذا لم يتحقق الصبر، فلن ننتصر. فالنموذج في الفكر الإسلامي ليس خاتم سليمان أو مصباح علاء الدين، وإنما هو الإنسان الصابر المثابر الذي يعرف أن يتحمل كثيرا ويصبر كثيرا عندما يصاب بالألم، فالرسول سالت على جسده الشريف الدماء، وخباب عذب بالجمر، وبلال عجز عن نطق الشهادة من ثقل الصخرة على صدره. نحن أحبطنا اذاً لأننا نريد أن نرى النصر الدنيوي، والإسلام نزع من القلب حظ النفس ونقل محله إلى الدار الآخرة، وهذا ليس معناه أن نتخاذل عن العمل لنصرة الدين، فنحن نعمل للنصر، ولكنه لا يكون إشباعاً لحب النفس، وإنما عبادة خالصة لله. فبشريات النصر في الدنيا وفي الآخرة وبشريات النصر هي للدين وليست لحظوظ الدنيا والنفوس، وهي عاجل أمر المؤمن. ختاما، فلنعلم أن سبب احباطنا هو تصوراتنا الخاطئة والقاصرة لمنهج الإسلام، والحل هو تصحيح التصورات. [email protected] @faalotoum