10 سبتمبر 2025
تسجيلإن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، ذلك أن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وظهور الرذائل. وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبيَّن سبحانه أن منزلته عظيمة، حتى إنه سبحانه في بعض الآيات قدمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»، وسر هذا التقديم هو عظم شأن هذا الواجب، وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامة، ولا سيما في هذا العصر، فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة. وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام، وكذلك فعل الصحابة من بعده. فالضرورة إليه بعد ذلك أشد وأعظم، لكثرة الجهل وقلة العلم وغفلة الكثير من الناس عن هذا الواجب العظيم. وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم، لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل، وقلة دعاة الخير. وقد ضرب الله لنا مثلاً من الأمم السابقة لما فرطوا في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، وفسر هذا العصيان بقوله: «كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»، فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وما ذلك إلا لعظم الخطر في ترك هذا الواجب. وأثنى الله جل وعلا على أمة منهم في ذلك فقال سبحانه: «مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»، هذه طائفة من أهل الكتاب لم يصبها ما أصاب الذين ضيعوه، فأثنى الله عليهم سبحانه وتعالى في ذلك. وفي قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة، مع أن الصلاة عمود الإسلام. وهذا التقديم لا شك أنه لعظم الحاجة إليه وشدة الضرورة إلى القيام به، ولأن بتحقيقه تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير وتظهر فيها الفضائل وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويذرون كل شر، ويتناصحون ويجاهدون في سبيل الله. وبإضاعته والغفلة عنه تكون الشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، وتختفي الفضائل ويهضم الحق، ويظهر صوت الباطل. وما نراه اليوم من برود تجاه أعظم المنكرات التي تحدث في غزة من قتل للأبرياء وتشريدهم وتعذيبهم واغتصاب أرضهم في مقابل الغضب والانبعاث تجاه ما يمس أضيق أطر الإنسان. فلا شك أنه دليل على الجهل في الترتيب الصحيح للأولويات تجاه إنكار المنكر. ونرى ونسمع في وقتنا الحاضر الموجات الباطلة التي تشكك المسلمين في أصول دينهم وتمويه ثوابت شريعتهم وتلبيس الحق بالباطل، ونشر الشبهات وتمرير الانحطاط الأخلاقي تحت مظلات فكرية مختلفة. فالواجب على كل مسلم غيور على دينه حماية الدين وإنكار المنكر بما يستطيع وعدم الانشغال بتوافه الأمور والإقبال على تعليم نفسه ومن يعول حتى نستطيع مواجهة هذا المد الجارف. وأختم بقول ابن القيم رحمه الله: وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟ ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه.