12 سبتمبر 2025
تسجيلإن من أعظم ما تحيا به الروح وتسعد: ذكر خالقها. وقد روى عن عبدالله بن بسر رضى الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام كثرت عليَّ فأخبرني بشيءٍ أتشبثُ به قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله. ولما سألت فاطمة رضى الله عنها أباها صلى الله عليه وسلم خادماً، واشتكت إليه ما تعانيه من أعمال البيت، اوصاها بأن تسبح ثلاثاً وثلاثين وتحمد ثلاثاً وثلاثين وتكبر ثلاثاً وثلاثين، فإنه خير من خادم. وللذكر فوائد كثيرة تعود على الذاكر بالخير والفضل في الدنيا والآخرة، فالذكر يرضي الرحمن عز وجل ويزيل الهم والغم عن القلب. ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسطة وينور الوجه والقلب. ويجلب الرزق ويكسب الذاكرة المهابة والحلاوة والنضرة. ويورث المحبة التي هي روح الإسلام. ويورث المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان. ويورث الإنابة وهي الرجوع إلى الله عز وجل. ويورث الهيبة لربه عز وجل وإجلاله، ويحط الخطايا ويذهب بها، ويزيل الوحشة بين العبد وربه، وهو نجاة من الشدائد وأمان من الحسرة يوم الحسرة ومع كل ذلك فهو من أيسر العبادات وهو من أجلها وأفضلها. وليس الشأن أن يذكر الفقير الغني، ولا الضعيف القوي، وإنما الشأن أن يذكر الغني الفقير والقوي الضعيف. وإذا ذكر الربُ الغني الكريم العبد الفقير كان ذكره له علامة على وصله ببره وكرمه، فما ظنك بأكرم الأكرمين وأجود الأجودين إذا ذكر عبده الذاكر ورضي عنه. والذكر ضد الغفلة والنسيان، والغفلة ترك الذكر عمدا، أما النسيان فتركه عن غير عمد. لذا فالغفلة مذكورة في القرآن في معرض النهي والتحذير كما قال تعالى (ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا). بينما النسيان ليس كذلك لعدم صدوره عن قصد ومن هنا جاء التوجيه القرآني العظيم (واذكر ربك إذا نسيت). والذكر شرعاً له إطلاقان، إطلاق عام ويشمل كل أنواع العبادات من صلاة وصيام وحج وقراءة قرآن وثناء، ودعاء، وتسبيح وغيره. وإطلاق خاص وهو ذكر الله بالألفاظ التي وردت عن الله سبحانه وتعالى من تلاوة كتابه أو إجراء أسمائه وصفاته العليا على لسان العبد أو قلبه مما ورد في كتاب الله سبحانه أو الألفاظ التي وردت على لسان رسوله صلوات ربي عليه وفيها تمجيد وتنزيه وتوحيد لله تعالى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ذكر الله عز وجل هو كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم وتعليمه وأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن منكرٍ فهو من ذكر الله. وقال الشيخ السعدي: اذا اطلق ذكر الله شمل كل ما يقرب العبد الى الله من عقيدة أو فكر أو عمل قلبي أو عمل بدني أو ثناء على الله او تعلم علم نافع وتعليمه ونحو ذلك فكله يكون لله. وذكر الله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالقلب واللسان معا. أما ذكر القلب فمعناه التفكر والتدبر في عظمة الله تعالى وجلاله وآياته الشرعية والقرآن وأحكامه وآيات الله في مخلوقاته كالسماء والأرض والشمس والقمر. ومن ذكر الله تعالى بالقلب أن يذكره المسلم بقلبه عند أوامره ونواهيه فيأتي ما أُمر وينتهي عما نُهي عنه. قاله القاضي عياض. وذكر الله باللسان يكون بالتسبيح والتهليل والاستغفار وقراءة القرآن وكل قول يقرب إلى الله تعالى. وأكمل المراتب أن يجمع الذاكر بين ذكر القلب وذكر اللسان. أما الذكر بالجوارح فهو العمل بطاعة الله، فكل من عمل بطاعة فهو ذاكر لله. قاله سعيد بن جبير. وروى ابن القيم أنه قال لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يوماً: سئل بعض أهل العلم أيهما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار فقال إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإذا كان دنساً فالصابون والماء الحار انفع له. فقال لي رحمه الله: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟ فإذا كان هذا قول ابن تيمية فماذا نقول نحن؟ فأكثروا من الاستغفار.