11 سبتمبر 2025
تسجيلانضمت اسكتلندا للدول التي ستطبق العمل إلى أربعة أيام بالأسبوع دون إطالة في ساعات العمل، وهي بادرة كانت مقترحة من السياسية الفنلندية "سانا مارين" والتي عينت بذات العام رئيسة لوزراء فنلندا، وكانت مبادرتها تهدف إلى تقليص ساعات العمل إلى 6 ساعات بدلا من 8 أو جعل أسبوع العمل أربعة أيام بدلا من 5 بدون تعويض الساعات في باقي الأيام، أي تبقى ساعات العمل في الأربعة أيام دون زيادة وكان رأيها نابعا من قناعتها بأن "الناس يستحقون أن يهتموا بحياتهم الشخصية وعائلاتهم". وقد طبقت الفكرة بالفعل على نطاق محدود وأثبتت نجاحها، كما لاقت الفكرة نجاحا في عدد من الدول مثل اليابان ونيوزيلندا وبريطانيا وأسبانيا، وقد طبقتها عدد من الشركات على موظفيها كما طبقته شركة مايكروسوفت في اليابان ووجدت تحسناً ملحوظاً في جودة العمل وتطور الإبداع والتميز في الأداء، وتشير الدراسات الحديثة بأن الساعات الطويلة في العمل لا يعادلها ارتفاع معدلات الإنتاجية، بل على العكس فقد أشارت الدراسات إلى أن الدول التي تعتمد ساعات عمل طويلة هي الأقل من ناحية الإنتاجية ومنها كوريا الجنوبية واليونان واليابان، مما حدا باليابان لاستخدام وسيلة قطع الكهرباء على الشركات والمصانع بعد انتهاء ساعات العمل حتى تحد من الإطالة في ساعات العمل. وقد أشارت إلى ذلك دراسة نيوزيلندية، وقامت إحدى الشركات النيوزيلندية بعمل تجربة تستغرق ثمانية أسابيع على موظفيها، فقد جعلتهم يعملون لمدة أربعة أيام بدلا من خمسة بواقع ثلاثة أيام إجازة بدلا من يومين وبنفس ساعات العمل المعتادة وكانت النتيجة مذهلة، فقد وجد بأن الإنتاج قد زاد بنسبة عشرين بالمائة ورجحت الأسباب إلى ارتفاع معدل الرضا الوظيفي للموظفين، فقد كانوا يشعرون بالرضا على المستوى الشخصي والعائلي والعملي، مما جعلهم يشعرون بالسعادة، والشخص السعيد هو شخص منتج. كما قامت إحدى الشركات بأيسلندا بتقليل ساعات العمل إلى خمس ساعات فقط على مدى خمسة أيام عمل، وكانت النتائج مذهلة بأن الإنتاجية لم تقل، بل على العكس من ذلك، فقد زادت نسبة الانضباط الوظيفي وقلت الإجازات المرضية للموظفين. وتطبق عدة شركات حاليا تجربة التقليل من ساعات العمل على موظفيها خصوصا أن الدراسات العلمية تشير بأن مدة تركيز الإنسان على عمل معين من ثلاث إلى أربع ساعات، وأغلب الشركات تتجه لتطبيق ست ساعات عمل، خصوصا مع إثبات عدم تأثر الإنتاجية سلبا، بل إيجابا وارتفاع الرضا الوظيفي والالتزام. بالرجوع لأصل تحديد الثماني ساعات عمل اليومية لمدة خمسة أيام فإن ذلك يعود للقرن التاسع عشر وهي الثورة الصناعية في أوروبا، فقد كان العمال يعملون لمدة سبع عشرة ساعة يوميا، مما أدى لظهور ثورة العمال المطالبين بتعديل أوضاعهم وأدت لظهور النقابات العمالية التي تمثلهم والتي كانت تطالب بثماني ساعات عمل يوميا وفي بداية القرن العشرين بدأت بعض المصانع بتطبيق نظام الثماني ساعات ولكن كان لمؤسس شركة فورد الأمريكية الفضل الأكبر في اعتمادها وهو هنري فورد، فقد أقر نظام الثماني ساعات عمل على مصنعه عام 1926، وفي عام 1940 أقر الكونجرس الأمريكي عدد الساعات الثماني وتعممت بعد ذلك بجميع أنحاء العالم، أي أن هذا النظام كان معمولا به قبل ما يقارب مائة عام !! وحاليا يسعى اتحاد نقابات العمال الرئيسي في بريطانيا لتطبيق أربعة أيام في الأسبوع في كافة البلاد ويؤيده بذلك حزب العمال المعارض، إذا قارنا مقارنة بسيطة مع أحد الأعمال في ذلك الوقت والآن فإننا نجد أنه نفس العمل كان يتطلب الكثير من الوقت للإنجاز والعكس حاليا بسبب الثورة في عالم التكنولوجيا، فسابقاً كم من الوقت والمجهود يحتاج الموظف لإيجاد ملف من الأرشيف لمعرفة معلومة بسيطة به والآن بضربة بسيطة على مفاتيح الكمبيوتر تجد المعلومة أمامك في ثوان. إذًا فعند وجود هذه العوامل المساعدة في بيئة العمل مما عزز القدرة على الإنتاج ألا يستوجب النظر في تعديل ساعات العمل؟! ويوضع في الاعتبار الأمور الأخرى مثل الازدحام المروري بوقت الذروة والذي لم يكن يعانى منه بهذه الصورة سابقا والسبب زيادة عدد السيارات وزيادة القدرة على امتلاكها، كما يوضع بالاعتبار وجودنا في منطقة حارة جدا، حتى وإن كانت أماكن العمل مكيفة فالرحلة من وإلى المنزل في هذا الجو الصعب وركوب السيارة بوقت الظهيرة تسبب الإجهاد للموظف والذي هو أساسا مجهد من ساعات الدوام الطويلة. وعندما نرى كل ذلك من العالم المتقدم ونجد سعيهم الدائم لوصول موظفيهم للرضا الوظيفي نجد لدينا اعتماد السياسات القديمة القائمة على مبدأ الإكثار من العقاب واستخدام أسلوب التنمر على الموظفين والتعامل معهم بفوقية وعدم انتهاج الأسس الصحيحة في بناء بيئة العمل التي تعتمد على روح الفريق والتعاون وعلى الإنتاجية كمعيار للقياس وليس فقط أوقات الحضور والانصراف. إنني أتمنى أن نبادر في دولتنا الحبيبة لعمل تجارب مماثلة في بيئة العمل وتقليل ساعات العمل لخمس ساعات ونصف ومقارنة الإنتاجية والرضا الوظيفي والتزام الموظف وعدم الحاجة للاستئذان إلا نادرا، كما أقترح بأن يكون هناك اعتماد النظام المرن في الحضور والانصراف بمعنى أن يكون العمل من السابعة حتى الثانية والنصف ولكن على الموظف العمل لخمس ساعات ونصف فقط، فقد يحضر أحدهم السابعة والنصف وينتهي دوامه الساعة الواحدة وهكذا، وأعتقد بأن الأثر الإيجابي سيكون ليس فقط في الإنتاجية بل ستقل الازدحامات المرورية، كما ستؤثر بإيجابية على المجتمع فالعلاقات الأسرية ستتوطد بشكل أفضل ولن يكون اعتماد كامل على دور أناس غرباء للعناية بالأطفال وسيستطيع الأبناء رعاية آبائهم وأمهاتهم الكبار والعناية بهم، كما سيزيد من تقوية العلاقات الاجتماعية، ومن ناحية أخرى سيؤثر ذلك إيجابيا من الناحية الاقتصادية، فهناك وقت أكبر للعائلة للترفيه وزيارة المجمعات والأسواق، كما سيقلل ذلك من الطاقة المستخدمة في الإضاءة والتبريد في المؤسسات لقصر ساعات العمل. [email protected]