30 أكتوبر 2025
تسجيلماذا يفعل المسلم إزاء زلات إخوانه معه ؟وكذا المسلمة عندما تتكرر زلات أخواتها وجاراتها معها؟ الجواب : الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد أولا : معنى الزلة : هي هنا السيئة تقع بلا قصد وقيل للذنب يقع من غير قصد زلة تشبيهاً له بزلة الرجل كما ذكره الراغب . وقد تحمل على الصغيرة، أو على أول معصية زل فيها مطيع معك. قال تعالى: "فإن زللتم"البقرة:209]، وقال:" فأزلهما الشيطان"البقرة:36]، واستزله: إذا تحرى زلته، وقوله:"إنما استزلهم الشيطان"آل عمران:155]، أي: استجرهم الشيطان حتى زلوا، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه.وقد علمنا النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – أن نتوجه إلى الله تعالى بالاستعاذة من عدة شرور تقع منا أو علينا وخاصة عند خروجنا من بيوتنا وتوجهنا إلى أي جهة سواء كان موقع العمل أو السوق أو ... أو …وجهنا - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – إلى أن نستعيذ بالله من أن يصدر عنا ذنب بغير قصد أو قصد ومن أن نظلم الناس في المعاملات أو أن نؤذيهم في المخالطات أو أن نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء والإساءة قال الصديق عليه السلام لإخوانه وقد أمكنه الله تعالى منهم بعدما ألقوه في غيابة الجب " قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ"[يوسف : 89]هذا النص الكريم يقرر أنه ما من أخ يؤذيه أخوه ويسيء إليه إلا ووراء هذه الإساءة أو الأذي جهل ، ثم إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد له أن يعاشر الناس وأن يزاول أمور حياته فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يَضل أو يُضل، وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يَظلم أو يُظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يَجهل أو يُجهل فاستعيذ بالله من هذه الأحوال كلها عَن أُمّ سَلَمَةَ - رَضِيَ الله عنها - "أَنّ النبيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ: "باسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عليَّ" سنن الترمذي كتاب الدعوات عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. باب منه. قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.. وكان من دعاء معاوية حين احتضاره"اللَّهُمَّ أَقِلِ العَثْرَةَ، وَاعْفُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَتَجَاوَزْ بِحِلْمِكَ عَنْ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، فَمَا وَرَاءكَ مَذْهَبٌ" وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول في صلاته: الحمد لله حمدا لا يبلى جديده ولا يحصى عديده، ولا يبلغ حدوده؛ اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، واجعل القبر خير بيت نعمره، واجعل ما بعده خيرا لنا منه؛ اللهم إن عينيّ قد اغرورقتا دموعا من خشيتك؛ فاغفر الزلة، وعد بحلمك على جهل من لم يرج غيرك. العقد الفريد (4/ 8. ثانيا : بعد بيان معنى الزلة نقول يجب على المؤمن أن يتخلق بأخلاق الله تعالى في العفو والصفح والمسامحة والإغضاء عن زلات معارفه وإخوانه معه ، فإذا زل أحدهم معه زلة غفرها وبات طاويا سليم الصدر فلا مبرأ من عيب ولا سليم من نقص (ومنْ ذا الذي ترضى سجاياهُ كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعدَ معائيه) قال كثير عزة: ومن لم يغمض عينه عن صديقه.. وعن بعض ما فيه يمت وهو عائب ومن يتتبع جاهداً كل عشرة .. يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يَسُد خَلَّتي ، ويغفر زلتي ، ويقيل عثرتي. وقيل: من عاتب على كل ذنب ضاع عتبه، وكثر تعبه. المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 131) والإنسان لا يخلو من زلات وتبعات في مدة عمره، إما من باب الصغائر وإما من باب ترك الأفضل ،حتى المتقين لا يسلمون ولعل هذا هو سر التعبير القرآني في الآية الكريمة في مس الشيطان لهم بأداة الشرط إذا المفيدة لكثرة وتيقن وقوع المس والوسوسة والنزغ قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ"[الأعرف: 201] ولكنهم لتقواهم يسترجعون من الشيطان ما اختلسه منهم ويستردون منه ما افترسه في سلوكهم بالاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل بالذلة وإعلان الضعف والافتقار والاعتراف بالغفلة فلا تتركهم تقواهم للإصرار على المخالفة والاستمرار على الزلة بل ربما كانوا بعد المعصية والزلة أكمل منهم قبلها لعظيم ما ينشأ عن هذه الزلة من الذلة والانكسار والالتجاء والافتقار إلى الله تعالى ، ومن رام سليما من هفوة والتمس بريئا من نبوة ، فقد خادع نفسه إذ الكمال لله تعالى وحده ولا عصمة إلا للنبي ولا نبوة بعد محمد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – " مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً"[الأحزاب:40] وقد جاء في صفةِ مَجْلِسه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – "ولا تُنْثى فلَتاتُه" أي لا تُشاع ولا تُذاع زَلاَّتُه. والفَلَتاتُ: الزَّلاَّتُ؛ والمعنى أَنه –- صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - لم يكن في مجلسه فَلَتاتٌ أَي: زَلاَّتٌ فَتُنْثى أَي: تُذْكَرَ أَو تُحْفَظَ وتُحْكى، لأَن مجلسه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كان مَصُوناً عن السَّقَطاتِ واللَّغْو، وإِنما كان مَجْلِسَ ذِكْرٍ حَسَنٍ، وحِكَمٍ بالغةٍ، وكلامٍ لا فُضُولَ فيه.كما ذكر ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر. ثم إن الدهر لا ينيل كل إنسان ما يتمنى ويطلب ولا يعطي كل راغب ما يحب لذا لزمت المياسرة للإخوة في الصفح والإغضاء خذ من خليلك ما صفا وذر الذي فيه الكدر فالعمر أقصر من معا تبة الخليل على الغير وللمرء من إخوانه ما ظهر وما بطن فأمره إلى الله تعالى من غير تقص وتفحص للبواطن قال أسماء بن خارجة الفزاري ( ما شتمت أحدا قط لأنه إما كريم كانت منه زلة فأنا أحق أن أغفرها وأن آخذ عليها بالفضل فيها .أو لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضا ويتمثل بقول الشاعر وأغفر عوراء الكريم اصطناعه وأعرض عن شتم اللئيم تكرما هذا رأي يذهب إليه بعض أهل العلم فقد أحب أبو الدرداء - رَضِيَ الله عنه - شابا حتى غلب على مجلسه وكان يقدمه على الأشياخ ويقربه حتى وقع ذلك الشاب المحبوب في كبيرة من الكبائر وعلم بذلك أبو الدرداء فقال - رَضِيَ الله عنه – لا نترك صاحبنا لشيء من الأشياء إنما أبغض عمله فإن تركه فهو أخي وإلا فلا وتمثل قول الله تعالى " فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ"الشعراء:" 216] وقال أبو الدرداء:"لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم"في هذا من أبي الدرداء - رَضِيَ الله عنه - نظرة تربوية فيها دعوة إلى إصلاح من فسد وتقويم من اعوج ورد من خرج عن الجادة إليها فالمؤمن لا يهلك كله ولا يذهب جملة وإذا تغير وحال عما كان عليه فلا يترك لأنه يعوج مرة ويستقيم أخرى ومداواته خير من تركه فما مثل هؤلاء الذي يرجى صلاحهم واستقامتهم إلا كمفاصل الجسم إذا طرأ لمفصل منها علة أو آفة فالأنفع علاجه وتقويمه ما دام ذلك ممكنا فذلك خير من قطعه إذا راب منى مفصل فقطعته بقيت وما في الجسم منى مفصل ولكن أداويه فإن صح سرني وإن هو أعياني فللعذر محمل وهكذا يذهب أصحاب هذا الرأي مذهب الرفق والنظرة التربوية البعيدة إزاء أصحاب الزلات مادام يرجى استقامتهم فالإبقاء عليهم أولى من قطعهم لما فرط منك من زلة أو سهوة أو هفوة أو جفوة. ولست بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب وفي مجمع الزوائد للهيثمي كتاب الحدود والديات. باب ما يقال لمن أصاب ذنباً. عن ابن مسعود - رَضِيَ الله عنه - قال: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه تقولون: اللهم أخزه اللهم العنه ولكن سلوا الله العافية، فإنا كنا أصحاب محمد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم على ما يموت فان ختم له بخير علمنا أنه أصاب خيراً وإن ختم له بشر خفنا عليه عمله.رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن عبيدة لم يسمع من أبيه.وعلى هذا يحمل ما ورد في السنة من احتمال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – لزلات وفلتات برزت من بعض رجال حوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – ولكنهم في غالب أحوالهم عدول بتعديل الله تعالى ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ……أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً"[النساء: 65] صحيح البخاري كتاب المساقاة. باب سَكْرِ الْأَنْهَارِ.قول الأنصاري هنا لرسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ ": زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة، فأمثال هؤلاء يجب الستر عليهم والإغضاء عن هفواتهم العارضة وزلاتهم الطارئة.ما دام لم يجاهروا بها ولم يصروا عليها وقد قيل لا يزهدَّنك في أخِ لكَ أن تراهُ زلَّ زلَّةَ والمرءُ يطرحُه الذ ينَ (الذين) يلونَه في شَرِّ إِلَّة ويَخُونُه من مأمنٍ أهلَ البِطانةِ والدِّ خِلَّة والموتُ أعظمُ حادثٍ مما يَمُرُّ على الجِبِلَّهْ وقال آخر ابْلُ الرجالَ إِذا أردتَ إِخاءَهم وتوسمنَّ أمورَهم وتَفَقَّدِ فإِذا رأيْتَ أخا العفافةِ والنهى بِرَّ اليدينِ قريرَ عينٍ فاشْدُدِ فمتى يزلَّ ولا محالةَ زلةً فعلى أخيكَ بفضلِ حلمِك فارددِ هذا والأصل في الزلة أنها تقال للذنب يقع فيه العبد من غير قصد ولهذا كان من الحكمة الستر والغفر لصاحبها ما دامت مغمورة في حسنات كثيرة أو ما دامت غير مقصودة.أو ما دامت أول مرة ، أو كانت صغيرة لا تتجاوز بأضرارها حد طاقة البشر. والفريق الثاني يرى أن طرح الإخوان إذا فسدوا أولى ، وأن نبذهم إذا نفروا أصلح للنفس وأبقى للوقت والطاقة كالثوب الخلق إطراحه بالجديد أجمل له وينشد أحدهم قد أكثرت حواء إذ ولدت فإذا جفا ولد . فخذ ولدا ولنا أن نقول بالبصيرة النافذة والرأي السديد والنظر الثاقب وفراسة المؤمن يدرك المسلم طبيعة من حوله استقراء للغائب واستشفافا له من الشاهد واستلهاما للمستقبل من قراءة الحاضر الواقع أن هذا كريم حيي رب زلة أورثته ندامة حقيقية إيجابية تجعله لا يقع في هذه الهوة ثانية ولا يلدغ منه أخوه أو صاحبه ثانية إذ ليس في كل مرة تسلم الجرة فتراه يصلح ما أفسد سريعا ويرمِّم ما صدَّع عاجلا ويرقع ما أقدم على خرقه ويرف ما مزَّق دون أدني ريث ويعود سريعا إلى نفسه فليلومها وضميره يؤنبه وقلبه يضطرب وصدره لا يسكن فيه فؤاده وتظل زلته عليه سبعا هائجا وأسدا ثائرا يقض مضجعه ويغص عليه لقمته ويكدر عليه عيشه فيأتي من الأعمال الصالحة والسلوكيات الحميدة ما يرأب به ما تصدع من بنيان الأخوة وشقق من جسد الوحدة والألفة له في الكرام الكاتبين وكذا الأنبياء المرسلين عليهم السلام قدوة وأسوة فهاهم الملائكة المقربون ما إن بدت منهم زلة وبدرت منهم فلتة حتى بادروا إلى حسن الأدب وجميل الاعتذار تقرأ في هذا عقدا منظوما في فسطاط القرآن "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "[البقرة:" 30] لعلك تلاحظ أن هؤلاء الأطهار الأبرار قد سارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة." قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"[البقرة: 32] وكذا شيخ المرسلين لما بدت منه هفوة في حوار ربه عز وجل معه بشأن ابنه وسأل الله تعالى ما ليس له به علم وأرجعه الله تعالى إلى الأدب الرباني ما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا سرعة اللجأ والاعتصام بالله تعالى من أن يسألها ثانية بله أول مرة تتلو هذا في هود "وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ"[هود: 45- 46] لعلك تلحظ هنا أن الله تعالى قد عاتب نوحا عليه السلام في مسألته هذه في شأن ابنه فما أسرع ما رجع نوح إلى ربه عز وجل :" قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ "[هود: 47]وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له، سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوبته. وهوعز وجل للأوابين بعد الزلة، والتائبين بعد الهفوة غفور لهم وذلك لتخلقهم بالتوجيه النبوي " أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" رواه أحمد في مسنده وكذا الطبراني في الكبير فمن كان من الناس على هذه الشاكلة – تكون زلته صغيرة أو مرة تقع منه الإساءة – وكلتاهما عن غير قصد . فحقه إقالة عثرته والأخذ بيده وإعانته على العود إلى طريق الجادة استحياء له فهذه الشاكلة أو النوعية من الناس يصلحها الغفر والستر أما من رأيت أنه قد استمرأ الزلات واستحلى الهفوات ينال منك المرة بعد المرة وما إن تبرأ من هفوة سلفت وما يكاد يلتئم جرحك السابق إلا ويكون قد ألحق الهفوة والزلة السابقة بواحدة هي أكبر من أختها - ولئن كانت الأولى عفوية فمن المستبعد أن تكون الثانية هكذا - وتتعدد وتتنوع جراحاته لك فيكاد يرسم بزلاته خريطة جراحات في حياتك تترك آثارها على نفسياتك ومعنوياتك يقطع عليك الطريق وما أدراك ما قطاع الطريق وترويعهم الآمنين وعيثهم في الأرض فسادا وسلبهم حقوق وممتلكات الآخرين وما رصد الله تعالى لهم من عقاب يجتث جرثومتهم ويستأصل شأفتهم ويقتلع جذورهم من المجتمع نكاية لهم ليذهب غيظ قلوب المؤمنين ويشف صدروهم ومن هنا فهذا الصنف الأخير أولى به القطع والبتر وعلى ضوء هذه المعاني نستطيع أن نفهم مدح الله تعالى الانتصار من الباغي والانتصاف من الظالم في موطن وكذا مدحه تعالى العفو والصفح في موطن آخر والاثنان في مقابل زلات أو قل إساءات متعمدة قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح؛ فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للأخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين؛ إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور؛ وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير؛ فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. - وهذا فيمن يتعدى ويصر على ذلك.- الثانية: أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة؛ و يأتيك نادما مقلعا فالعفو ها هنا أفضل استحياء واستبقاء له وفي مثله يوجه الوحي المعصوم بقول الله تعالى :"وأن تعفوا أقرب للتقوى" [البقرة: 237]. وقوله تعالى : "فمن تصدق به فهو كفارة له" [المائدة: 45]. وقوله تعالى: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" [النور: 22] وقديما قيل (إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ) فمن يكون الغالبُ عليه في سلوكه معك فعل الجميل، وليس يعرف بالشر ثم تكون منه الزَّلَّة حقه سترها فهي مغمورة في حسناته ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة وما أجمل ما قال الشافعي رحمه الله في هذا المعنى عفوا وصفحا عن الهفوات الطارئة والزلات العارضة العابرة وإن قصرها على هفوات المسافرين إلا أنها كما تليق بالمنتقلين تصلح للمقيمين إَذَا رَافَقْتَ فِي الأَسْفَارِ قَوْمَاً فَكُنْ لَهُمْ كَذِي الرَّحِمِ الشَّفِيقِ لَعَيْبُ النَّفْسِ ذَا بَصَرٍ وَعِلْمٍ وَأَعْمَى العَيْنِ عَنْ عَيْبِ الرَّفِيق وَلاَ تَأْخُذْ بِعَثْرَةِ كُلِّ قَوْمٍ وَلكِنْ قُلْ هَلُمَّ إِلَى الرَّفِيقِ فَإِنْ تَأَخُذْ بِعَثْرَتِهِمْ يَقِلُّوا وَتَبْقَى فِي الزَّمَان بِلاَ صَدِيقِ وعلى كل حال كما قال تعالى:" بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"[القيامة:14] ومن هذه البصيرة النافذة ما يمكن أن تدرك بها من يصلح معه الغفر والستر ومن لا يصلح معه إلا القطع والبتر.والله تعالى ولي التوفيق.