17 سبتمبر 2025

تسجيل

الفساد.. الآفة المُهلكة لمؤسسات الدولة والناس!

26 أغسطس 2023

يُعرف الفساد، وفقا لقاموس أكسفورد، بأنه انحراف في أداء الوظيفة العامة عبر الرشوة والمحاباة، وعرفه البنك الدولي بأنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، وهذه التعريفات وغيرها تؤكد على الخراب النفسي والفكري والسلوكي للفاسدين. والملاحظ أن الفساد اليوم لم يَعُدْ بمبالغ زهيدة، وصرنا نسمع بفساد بملايين، وربما بمليارات الدولارات، وهذا يؤكد أن المعضلة متفشية وبحاجة لحلول حاسمة وجذرية. والفساد آفة موجودة في غالبية مجالات العمل العام والخاص، وبالنتيجة صرنا بمواجهة فساد سياسي، واجتماعي، وإداري، واقتصادي، وقضائي، ومدني وعسكري، وداخلي وخارجي، ومحلي وأجنبي. وقد تكون عمليات شراء المناصب والذمم والتلاعب بنتائج الانتخابات، وسرقة المال العام، والاستخدام السيئ للنفوذ والسلطات من أشهر أنواع الفساد السياسي، وهذه لا تتعلق بالأفراد فقط بل ترتبط بغالبية الكيانات السياسية والحزبية والمستقلة. وبالمقابل لا يُمكن تغافل خطورة الفساد المالي والاقتصادي وذلك لأن المال عَصَب الحياة، وهناك نسبة ليست قليلة من البشر تَضْعف أمام مغريات المادة والمال، وعند هذا المنحدر نجد أن الفاسدين يستغلون هذه الثغرات (البشرية) للتشجيع على تمرير الصفقات المليئة بالخراب والمخالفات ولو على حساب سلامة الوطن وصحة الناس. والفساد الاقتصادي يشتمل على الرشوة، والحصول على العمولات، والمساعدة في التهرب الضريبي، والتلاعب بوصولات الشراء وغيرها من صور الفساد. والفساد الاقتصادي لا يمكن أن يكون ما لم يكن هنالك فساد إداري يدفع الموظف لمخالفة القوانين واللوائح الوظيفية ويعمل في الغرف المظلمة لتحقيق مكاسب مالية خاصة. وهذه السلوكيات الوظيفية هي ثمار الفساد الاجتماعي والتلاعب بالقيم المجتمعية التي ربما صارت تتفاخر وتتباهى بالرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل بصور متنوعة بعيدا عن القيم الإنسانية والشرعية والقانونية النقية. وهنالك صور من الفساد غير المرئي، ومنها محاربة الكفاءات الوطنية المؤهلة، والواسطة على حساب المؤهلين، والمحسوبية، وهدر الوقت الوظيفي، والتطبيق المزاجي للقوانين والأنظمة الضابطة للعمل وغيرها من عوامل الخراب. وهنالك العديد من العوامل المُشجعة على الفساد، ومنها التدني الفاحش لأجور الموظفين، وضعف الوازع الديني، وهشاشة القوانين، وغياب الرقابة والمتابعة، وإصرار حيتان الفساد على الاستحواذ على المناقصات الكبرى بأي ثمن كان. وصدقا لا يوجد أي مُبرر أخلاقي أو سياسي أو ديني أو فكري أو مجتمعي يمكن أن يبرر السقوط في أوحال الفساد، ولكن المسألة تؤكد الاستخفاف بالقوانين، وهنا تبدأ مرحلة السقوط الشاقولي للمسؤول الفاسد والموظف. وأتصور أن الفساد السياسي والقضائي والرقابي أخطر أنواع الفساد، ويمكن عبر ضبط الإدارة السياسية والقضائية والرقابية ضبط، أو على الأقل، التقليل من كافة أنواع الفساد الأخرى، وإلا فإننا سنكون عند نقطة الدمار الشامل للوطن والناس. إن علاج آفة الفساد المتنوع والمتشعب والعريض والطويل يمكن أن يكون بمنظومة قانونية لا تُجامل الفاسدين، ولا تسمح بأي شكل من التلاعب بالأنظمة والقوانين، وتُقلِم أظافر الفاسدين بعقوبات قاسية لا تكتفي بإعادة الأموال المسروقة بل يفترض أن تصل الأحكام، وبالذات في القضايا الكبرى، لدرجة الخيانة العظمى، لأن مَنْ لا يُؤتمن على أموال الدولة لا يُؤتمن على سلامتها، ومُسْتعد أن يبيع كل ما يملك من معلومات (حساسة) لأجل المال. ويفترض أن تكون العقوبة أشد للموظفين في الدول التي يتمتع الموظف فيها بدخل متميز وامتيازات راقية، وعمليا لا يمكن للقوانين منفردة أن تنهي آفة الفساد المتنوع، ويفترض بأفراد المجتمع أن يمتنعوا عن تشجيع هذه الظاهرة، ويساهموا في التبليغ عن الفاسدين وصولا إلى مرحلة جفافها في ميادين العمل والحياة. سعادة الدولة والناس وسلامتهما تكون بالقوانين الناظمة للحياة.