19 سبتمبر 2025
تسجيلأرى التاريخ الفلسطيني مدوناً بين أطرافه، والطفولة البريئة تلتف على أعقابه، هو مثال لضرب الحِكم والأمثال، على صدره جولة للنصر بلا معارك أو أي قتال، هو لمسات أياد فلسطينية خالصة ونوايا وطنية ناضرة حاضرة، معطرة برائحة برتقال وعنب البلاد، هو ما تبقى لنا من إرث الأجداد، بين عروقه ترى أنهار الوطن ووديانه وقراه العريقة وأطيانه، ألوانه هي رمز للوطن وشارة وعلم، هو امتداد للتاريخ والثقافة والتراث والحلم، هو أجمل الهدايا والعطايا، هو عشق الصبايا، هيبة امرأة عجوز في زمن الرحايا....... هو الهوية ورمز القضية وحكاية كل مدينة فلسطينية والأمجاد، العمل به يمنحك الصبر والصمود كمن ينتظر يوم الحصاد، تتجلى من خلاله ايات الدفاع والوفاء بالعهود، فيه العراقة والجذور وكنعان مكتمل الحضور، أسرار تفاصيله حاضرة ما بين الطباع والجغرافيا ورسم الحدود، هو جسر المحبة ما بين الجدة والحفيدة ممدود، هو ذكرى لأيام كانت سعيدة..... ولن تعود..... بالطبع عرفتم عن ماذا أتحدث !!! عن ثوب فلسطيني مطرز، صنعته لي جدتي، وأهدتني إياه وأنا طفلة صغيرة لم اتجاوز حينها الخمس سنوات، وما زلت احتفظ به حتى الآن، لأني بصريح العبارة أرى فيه جدتي والتاريخ الفلسطيني في آن واحد، أرى بين ثناياه طفولتي والحلم الواعد..... ثوب يحكي قصة صبر امرأة فلسطينية لاجئة استعادت الوطن السليب من خلال قماشة وإبرة وخيط حرير، تشبه المقاومة السلمية والحرب الكلامية كبيت هجاء ما بين الفرزدق وجرير، فيما لو تأملت كل غرزة مطرزة بذاك الثوب، لأدركت معنى الدقة والإتقان لدى أجدادي ومجدهم التليد..... ....اشتاق لصورةٍ تم التقاطها لي وانا أرتديه في ذاك الوقت، كمٌ هائل من الشموخ والكبرياء والعزة، بل عدت أيضاً بذاكرتي لحيثيات ومفاوضات وشروط عرضتها لالتقاط تلك الصورة، ربما الشموخ الذي تشربته من ذاك الثوب وجدتي، مما جعلني أتقمص دور المفاوض الشرس، والشرط هو ارتداء كردان عمتي، وبالفعل ارتديت ثوب الفخر وكردان الهيبة معاً، تلك هي حكاية الثوب الذي اهدتني اياه جدتي وكردان عمتي...