12 سبتمبر 2025

تسجيل

حلم البؤساء

07 أكتوبر 2023

إن تعمقت في عالم الأمنيات والأحلام لدى البشر، لوجدت أنها متباينة في مقدارها، مختلفة أوزانها وأثقالها، ولكل مواطن في وطني أمنية وحلم لا يشبه في محتواه ومستواه أحلام بقية الأمم، فهناك من يحلم بالمال الوفير وآخر يحلم بالمنصب الرفيع، وغيره يحلم بتوفير قوت يومه وبيت يأويه صغير، وآخر يحلم بيوم الحرية والتحرير.. أُمنيات أمس لا تضاهي أحلام اليوم بتاتاً بالنسبة لي ولغيري من أبناء وبنات الثمانينيات في القطاع المنكوب، علماً بأن هناك أحلاما خاصة وأخرى عامة ولكلٍ منا مراده ومبتغاه.. ذات يوم كنت أنا وصديقاتي نتجول في محيط الجامعة، إحداهن كانت كفيفة تُدعى مزيونة، ورغم ذلك كانت الابتسامة لا تفارقنا أبداً، ومع كل خطوة نخطوها نرسم أحلامنا، نبتسم فتتجدد آمالنا مغردة نحو مستقبل مشرق وبرَّاق، في ذاك اليوم نظرت إلى السماء راسمة في خيالي صورة فلسطين البهية التي دوماً تحتضن أبناءها، ونحن نسير وإذا بمزيونة تصطدم بشجرة في منتصف الرصيف، صعقتُ.... يا له من موقف محرج وصعب، لمت نفسي ووبختها لأنني أهملت الأمانة التي بين يدي، أعتذر لكِ يا صديقتي أحلامي فاقت حدود الخيال، رسمت صورة لمستقبل أبعادها وصلت حد السماء، ونسيت أن يدك متشابكة بيدي، وظننت حينها أن الخطوة الأُولى في مشوار الحياة بدأت ولا متسع للتفكير ولا للبقاء في تلك البقعة المعتمة، أكملنا تجوالنا وإذا بالمناوشات تتجدد بين الإخوة الأشقاء، تلاها انقسام استمر إلى يومنا هذا، تلاها العديد من النكبات نصطدم بها كل يوم، أولها انقطاع الكهرباء والبطالة والفقر والحصار وآخرها الشعور بالذلة والانكسار.. ومع مغيب شمس كل يوم، شعبنا في غزة يصبح كفيفاً، لا يرى أي شيء، بات ضريراً، وذلك يقوده إلى حال من اليأس والإحباط والبؤس، وأضحى حلمه الأول والأخير هو توفير الكهرباء... وفي تلك البقعة المعتمة من الوطن، أدركت أن الكفيف ليس من حرمه الله نعمة البصر، ولكن الكفيف هو مَن لا يبصر ولا يرى ولا يشعر بمعاناة الشعب.. تلك هي حكاية مزيونة والشجرة التي اصطدمت بها، أما نحن اصطدمنا بواقع أسود مليء بالأزمات، وافتقادنا لأبسط الحقوق الحياتية وأهمها الكهرباء، اصطدمنا يا عزيزتي بعشرات الجثث المتفحمة لأطفال وأشبال، كان حلم الياسر أن يرفعوا علم فلسطين على مآذن القدس وكنائس القدس، غادر الياسر عالمنا وغادرت أحلامه معه، اصطدمنا يا صديقتي بصور الرضع الذين لاقوا حتفهم من شدة البرد، وهم يفتقدون لأبسط حق ألا وهو الكهرباء لتحميهم من البرد، أيعقل أن يصل بنا الحال إلى وجود مولدات كهربائية داخل المستشفيات !!!! أيعقل أن تتوقف الحياة في الأبراج السكنية في غزة أثناء فترة ساعات القطع، احمدي الله يا صديقتي مراراً وتكراراً لأنك لم تشاهدي حجم الحوادث والكوارث التي حلت بنا... وبات توفير الكهرباء حلم البؤساء في مدينة الظلام.