23 سبتمبر 2025
تسجيلفي الدول التي تنشد الدقة في العمل وجودته، تعتمد على تسليم زمام المسؤولية على مبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب" عند التعيين الوظيفي، من حيث الخبرة والتخصص والإنتاجية، سواء العمل الإداري أو المهني؛ لأنها تدرك أن مسايرة هذا المبدأ وتطبيقه سيؤدي إلى إيجابية العمل ودقته وجودته؛ لأنه يقوم حتما على أسس من التخطيط السليم والدراسة الدقيقة، كما سيؤدي إلى الرضا بين المتعاملين والمستفيدين من حيث تسيير المصلحة المجتمعية، بالإضافة إلى البعد المستقبلي الناجح، خاصة للمشاريع الخدماتية، فحين يتعثر مشروع ما أو يتوقف أو يفشل بعد صرف المليارات لإقامته وتسييره ويدخل في هدر المال العام يسند ذلك إلى فقدان الدراسة والتخطيط لوجود من ليس له علاقة بالعمل أو المهنة لبعد التخصص، كما يسند إلى سوء الاختيار الذي يعتمد على المحسوبية والمصلحة والقبلية، وأجمع الكثير من العلماء على أن قضية عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هي من أهم عوامل تخلف الأمة الاسلامية، وتعاني منعا أغلب دوله، لذلك لا نستغرب حين نجد البعض من المشاريع يتعرقل سيرها وتتوقف ويحكم عليها بالفشل، قبل تنفيذها أو بعد مرور سنوات من التنفيذ واستهلاك الطاقات البشرية وهدر المال العام، والتي تتطلب خبراء من ذوي الاختصاص أوشركات استشارية قبل تنفيذها، وإن نجح أي مشروع من المشاريع فإنه يتطلب المراقبة والمتابعة الدقيقة لمعرفة كيفية سيره ومدى تحقيقه للأهداف. وقد أثبتت الكثير من الدراسات والتجارب أن الكثير من الانتكاسات والمشاكل وفشل المشاريع سببها سوء إدارة العمل وعدم الخبرة التامة، لذلك فإن تطبيق مبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب" ضرورة حتمية ليس في المناصب العليا فحسب، بل في الوظائف المهنية والمهارية، فالقوة الفكرية والذهنية هي المعضلة الأساسية لنجاح وإدارة أي عمل أو مشروع وجودتهما ويدّعم نجاحهما الخبرة والكفاءة. …. فمشروع التأمين الصحي (صحة) الذي توقف فجأة وأحدث صدمة للمواطن القطري نموذج لقرارا ت سريعة ودراسات غير متأنية، وخبرة علمية ميدانية غير مؤهلة لإدارة المشروع ولم يمر على تنفيذه أربع سنوات، كما هو مشروع منطقة دحيل السكنية التي يشتكي سكانها من منسوب المياه الجوفية المتسربة داخل منازلهم، والممزوجة بمياه الصرف، والتي حولت شوارعها وطرقاتها إلى ورش عمل متلاحقة لإزالة المستنقعات وترقيعها، فعلام يدل ذلك؟ أليس على عدم وجود إمكانيات إدارية وفنية متخصصة تقوم بالمسح الشامل لمعرفة صلاحية المنطقة للسكن، قبل البناء، واستغلال منسوب المياه في أراضيها بعد معالجته وتحويلها إلى أراضٍ زراعية عامة، لتحقيق تنمية زراعية مستدامة، ولا يختلف عنهما. تنفيذ وتطبيق مشروع المدارس المستقلة التي لم توفق في اختيار الكفاءة الإدارية والتعليمية في تشغيلها، وإهدارالأموال التي صُرفت عليها دون نتائج ومخرجات تعليمية جيدة ودون تحقيق الأهداف نتيجة عدم الكفاءة العلمية التي كلفت بتنفيذها وفِي أغلب مجالاتها. …. في الدول المتقدمة، تستعين بذوي التخصص في تخطيط مشاريعها تخطيطا شاملا، لأنها تدرك أن نجاح أي مشروع يتطلب الإعداد الجيد والدراسة المستفيضة للظروف من أجل نجاحه واستمراره، وكل ذلك يتطلب اختيار وضع الرجل المؤهل علميا في المكان المناسب لتخصصه العلمي، لإيمانهم أن الأشخاص الذين يتقلدون المناصب الإدارية أوالوظائف المهنية إذا لم يتم اختيارهم وفق تخصصاتهم العلمية وجودة كفاءتهم، ففيه إهدار للثروات وفقدان الجودة والمنافسة وخفض الإنتاج. ومازالت مجتمعاتنا العربية تعاني من إهدار التخصصات العلمية نتيجة عدم إيجاد أو استحداث وظائف تناسبها، وإن وجدت فقد يشغلها الجاهل بها لاعتبارات خاصة، ومازالت تلك القضية محور الحديث المجتمعي والإعلامي، فمتى يغلق بابها ونحن سائرون نحو تحقيق رؤية عام 2030 م.