15 سبتمبر 2025

تسجيل

الربيع: الخطأ أن تصور البعض غير ذلك!

26 أغسطس 2016

يتألم الكثيرون بسبب ما آل إليه مصير المجتمعات والدول التي اجتاحها الربيع العربي، ووصل البعض حد اليأس لشدة المآسى. وانقلب البعض على عقله ونفسه ومواقفه وتوجهاته. والبعض، عاد يحن إلى حكم الجلادين القدامى الذين خلعوا بفعاليات الربيع. وقدر من الجمهور عاد للقبول بأسوأ مما كان يعيش فيه. قبل بأوضاع كارثية تدفع مستقبل البلاد إلى جحيم لا يبقى مستقبلا، تحت عنوان عش اللحظة ولو تحت الإذلال. تلك الحالة يبدو المسؤول الأول عنها، كثير من النخب التي تصدرت مشاهد الربيع، إذ قادت تحركات الجمهور العام الرافض للإذلال والتجويع والتبعية، دون أن تعي حجم التحديات والمعضلات ودون أن تمتلك رؤية لمواجهة مترتبات خلع الطغاة ومن قبل ومن بعد كان الخطأ الأكبر أن سرت نظرة محلية ضيقه لمثل تلك الأحداث، دون إدراك أنها بمثابة زلزال على صعيد المصالح والعلاقات والتوازنات الإقليمية الدولية وأن تطورها سيغير طبيعة الحكم والتوجهات في الإقليم كله. هي نخب افتقدت الإدراك بطبيعة ما تقوم أو ما هي مقبلة عليه بما سهل مهمة الثورات المضادة. لقد فاجأت الشعوب نخبها بهذا الاحتشاد وبحجم الاستعداد للتضحية – إذ لا سوابق حدثت خلال تجربة الجيل الحالي - كما هي نخب لم يكن لديها تصورات إستراتيجية لا لطبيعة المعركة التي انغمست في قيادتها، ولا لكيفية التعامل مع طموحات الجمهور العام. وبطبيعة الحال لم يكن في حساباتها كيف تمنع وتحبط نشاطات وتتصدى لخطط الثورات المضادة. وهنا كان لافتا الطابع الرومانسي الذي طغى على رؤية أحداث الربيع عند بداياتها، حتى أن البعض تصور فعلا، أن دول العالم كافة سعيدة بتلك الثورات وأن لا مشكلة لتلك الثورات مع الخارج وأن مهمتها وهمومها تتلخص في التصدي لأتباع المخلوعين من الحكم لا أكثر ولا أقل. هنا فوجىء هؤلاء النخبويون باحتشاد عشرات الدول خلف الثورات المضادة، بل كانت الطامة الكبرى لديهم أن علموا بعد فوات الأوان أن دولا إقليمية ودولية كانت المحفز والراعي والمخطط والداعم لتلك الثورات بالمال والسلاح والإعلام. فوجىء الكثيرون بالموقف الأمريكي المتآمر (وكان البعض هلل لزيارات المسؤولين وإطرائهم على الثورات السلمية) وبالموقف الروسي والإيراني المضاد بالسلاح (وكان البعض قد تحدث بنشوة عن ثورات عربية توأم لثورة إيران الرائدة!) وبمواقف كثير من النظم العربية المعادي للربيع والمستعد لتحطيم الدول والمجتمعات الأخرى. لم يكن الخطأ الرئيسي – كما يروج - أن تصورت النخب أن خلع حاكم يكفي - فذلك جزء يسير من الخطأ الاستراتيجي - بل في تصور أن معارك الربيع وخلع الطغاة، هي مجرد معارك داخلية تجرى داخل الأطر الوطنية وأن العامل الخارجي ينتفي وتشل يده حين يحتشد الجمهور العام. تلك النظرة المحلية الضيقة، كانت دوما هي "الدواء القاتل" لكل الثورات ولأعمال التغيير في أي منطقة من العالم. وهذا هو أخطر أخطاء النخبة التي تصدت لقيادة الحراك الشعبي في ثورات الربيع. وتلك الزاوية من الرؤية، هي ما يجب فهم أبعادها ووضع الخطط للتعامل معها، في اللحظة الراهنة بشكل خاص، إذ تشهد بلدان الربيع تحولات مهمة باتجاه هزيمة الثورات المضادة، إذ ما جرى في حلب وفك حصارها والإعلان عن تحولات لاندماج حركات الثوار وخوض معركة شاملة لتحرير حلب، وما جرى في فك حصار تعز جزئيا والتوجه لفك حصارها كليا وإطلاق طاقاتها لرفد الشرعية بقوة هائلة وما يحدث في ليبيا ضد حفتر..إلخ، هي مؤشرات على موجة جديدة تتطلب وعيا وإدراكا بالطابع الإقليمي والدولي لمعارك الربيع. الخطأ أن تصور البعض غير ذلك.