15 سبتمبر 2025

تسجيل

مدن وشوراع قطر من عنترة إلى شكسبير

26 أغسطس 2014

لا شك بأن صيت عنترة بن شداد العبسي في الأدب والتاريخ العربي لا يضاهيه صيت عند العرب. لم نحكم على ذلك لدينا فقط لأنه قد سُمي جبلٌ صغيرٌ باسم عنترة في مدينة الوكرة، بل لأنه ينبئنا بثقافة أهل وقبائل قطر القدماء وباهتمامهم منذ القدم برموز الفروسية والأدب، وهو ما جعلهم أيضا في الوقت الحالي يرِثون ولع أجدادهم بالثقافة، مما جعل لشكسبير شارعا في ما يطلق عليها "كتارا"، وهي القرية الثقافية العالمية الجديدة، هذا وبين ثقافة عنترة وشكسبير بون شاسع، رغم اتفاقهم في الإبداع، الإبداع المتمركز على تعدد الثقافات وتحالف الحضارات في كتارا، والآخر المتمركز على التراثي العربي الأصيل في مدينة الوكرة وساحلها وفي عدد من مدن قطر الساحلية الأخرى.قد تتوافق بعض التسميات ونوع المدن وعراقتها وأصولها أو حداثتها وجدتها وأهدافها وإن كنت لا أعلم تاريخيا كيف وأين ومن أتى بعنترة الفارس والشاعر العربي المشهور من (الجواء) في وسط الجزيرة العربية إلى (الوكرة) الساحلية التي ذكر معناها العلامة الجغرافي (ياقوت الحموي) في معجم البلدان: "وكرة" أو "وكر" فيما اتخذته الطيور في هذا الجبل بالذات وكرا لها.لم أبحر في علوم العرب الجغرافية، رغم استماتتي في البحث عن سبب التسمية السابقة في (معجم البلدان)، ولم أدرِ ما سر وجود جبل لعنترة! ولكني األل ربط جبل وكرة قطر بعنترة، تيمنا بسيرته المحمودة، وهو الفارس والشاعر والمحب المغدور والمدفون في رأس جبل "العلم" قرب حائل حسب رواية (الأصمعي) لسيرته.لا شك بأن تخطيط المدن والطرق في أي بلد يتزامن معه حتما سياسات واضحة في التسميات والترقيم يعتمد فيه كل قطر على معطيات الحضارة والثقافة والتراث والجغرافيا والتاريخ: أعني تاريخ المنطقة الأكبر وتاريخ الوطن ومآثره ومآثر شعبه، ومعطيات بيئتة سواء البرية او البحرية.ولأسماء المناطق في قطر جذور من البيئة اقتضت مسيرة علمية سطر بعضها أستاذنا النابغة – طيب الله ثراه- الفقيه اللغوي الدكتور عبدالعزيز السيد مطر فيما ذكره في "الأصول اللغوية والأسماء الجغرافيه في قطر"، حيث إن للأسماء العامية أصول وجذور لغوية مستمدة من بيئة قطر البرية والنباتية والبحرية. أما ما سمي من مواقعها على الأفراد، فهو استشراف بمن سكن المناطق من أهل قطر وقبائلها وسيرتهم المحمودة، سواء أطلق عليها مسمى فريج أو شارع أو طريق أو ما سواه، وهذا أمر محمود في بيئات درجت على التجمعات القبلية في مناطق بعينها، وقد عرفت بهم المناطق وعرفوا بها، خصوصا بعد شق تاريخ معروف في مناطق سكنهم. في الآونة الأخيرة، درجت الجهات المسؤولة عن تسمية الشوارع بتطبيق ذات المفهوم، ولكن بتحويل المسميات من القبائل والأجداد إلى عدد من الأفراد، هذا في عدد من تقاطعات الدولة المرورية بعد تحويلها من تقاطعات دائرية سابقة عرفت بترقيم أو بمسمى محطاتها ك "الدائري الثالث" أو "دوار السينما" أو "دوار التضامن" إلى مسميات جديدة أتت بشكل أفضل من السابق، ولكن بطريقة فردية في ظل غياب تعريف إعلامي يعرّف ويروّج للتسميات الحديثة وسبب اختيارها على أفراد بعينهم على المستوى المحلي، بل ودون أن يكون للتسمية من أثر عملي على المستوى الدولي في ترسيم مدننا وشوارعنا العصرية المدنية الحديثة على خرائط غوغل أو "تطبيقات" الأنترنت التي تيسر الوصول لأي موقع. وفي الوقت الذي تم فيه تسمية المدن والشوارع على مسميات قاطنيها منذ فجر تاريخ قطر القديمة وليست الحديثة فحسب، وفي الوقت الذي سميت شوارع عدد من المدن ومدينة الدوحة على عوائل قاطنيها من سكان قطر سواء كانوا سكانها من "مسقط الرأس أو حتى سكانها من "مسقط القدم"، نجد أن هناك مناطق تاريخية جُرّدت فيها مناطقها وشوراعها من تسميتها بمسيّات أهلها وسكانها وأسوق منها على سبيل المثال مدينة الوكرة فخلت من وجود شارع رئيس أو فريج يحمل اسم أعيان قبائلها والحديث هنا عام وليس خاصا، خصوصا أن هناك قبائل وعوائل عرفت المناطق بهم وعرفوا بها و "دليل الخليج " للوريمر خير مرجع.فهل جاءت عملية تسمية الشوارع والمدن طوال السنوات الماضية؟ وهل ستأتي في المستقبل عشوائية أم انتقائية أم تاريخية مدروسة ؟ وهل ستضفي الجهة المختصة للمناطق لباس التاريخ والجغرافيا أم ستغدق المفاهيم الجديدة على المدن، في حين أن تلك المسميات الجديدة لا تنطبق إلا على على المدن المحدثة الناشئة لذات الهدف الثقافي المتبادل ك "كتارا" وليست التقليدية الأصيلة كسواحل المدن العريقة ك (الوكرة) و(الخور) و(الشمال). وهل سنعود للفارس المغوار لنستلهم تاريخ "ياقوت الحموي" لنبحث لا عن سبب تسمية جبل "عنترة الوكرة" باسم الشاعر الفارس فحسب، بل لنحاسب المتسّبب في جرف وتكسير هذا الجيبيل الصغير الذي يعد معلما بارزا من معالم المدينة، والذي تقع "كِسرة منه" في غرابة بقرب مصلى العيد في الوكرة القديمة قرب "الجلعة" أي القلعة القديمة. سر الجبل وتكسره وامتداد قطعة منه ينبئ بوجود تاريخ آخر في المدينة تحت الأرض حبذا لو استكشفناه مع الترميم القائم بما تعنيه الفروسية والشاعرية، بل ربما يحمل أيضا جزءا شبيها بتاريخ "ابنة مالك" في ثلاثية مشهورة هي "الفروسية والشاعرية والحب".؟ فهل شهد سَمِيّ جبل الفارس "عنتره" تاريخا مشابها، أم هو استلهام أدبي تاريخي أطلق ممن سكن تلك المناطق عليه تيمنا. مناطق قطر ومدنها رصيد تاريخي لا تحتاج إلى إعادة اكتشاف فحسب، بل إلى إعادة قراءة التاريخ قراءة متأنية قديمة وحديثة واحترام مكنوناته المادية والبشرية بمن فيها قاطنيه، فتاريخ السكان جزء لا يتجزأ من تاريخ البلدان.