18 سبتمبر 2025

تسجيل

ثلاث وثلاثون حكمة لتحريم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده

26 أغسطس 2012

س14: حكمة تحريم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده؟ ج14: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد. فالأصل في ذلك قوله جل مذكورا وعز مرادا:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً*إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً هَذِهِ آيَةُ الْحِجَابِ، وَفِيهَا أَحْكَامٌ وَآدَابٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ مِمَّا وَافَقَ تَنْزِيلُهَا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ حَجَبْتَهُنَّ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وَقُلْتُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَمَالَأْنَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ذِكْرُ أُسَارَى بَدْرٍ، وَهِيَ قَضِيَّةٌ رَابِعَةٌ وقد جاء في سبب نزول الحكم القاطع بعدم إباحة التزوج بأزواجه من بعد حياته صلوات الله وسلامه عليه ما حكاه السدي أن رجلاً من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب أيحجبنا رسول الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءَنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده , فأنزلت آية الحجاب هذه. إن المتأمل المتدبر للأصل في هذا الحكم الرباني من فوق سبع السماوات يجد أنه لم يأت هكذا ارتجالا، وحاشا كلام الباري جل في علاه ، وإنما جاء هذا التوجيه ضمن منظومة عامة، وجملة كريمة من الآداب أدَّب المولى تبارك وتعالى عليها الأمة كلها مع صفوة خلقه، وحامل كلمته الأخيرة لسعادة الخليقة، فكما أدبَّه ربه فأحسن تأديبه أدّب كذلك أمته معه، ومع بعضها البعض، ولم تختص آية الأحزاب ولا سورتها بنظم عقد هذه الآداب مع الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وإنما بثها الوحي المعصوم في ثنايا سوره الكريمة، وكان في مقدمة هذه الآداب أن رأينا المولى في علاه وإن نادي وخاطب أحدا من أنبيائه وهم إخوانه إذ "الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد"حملة الرسالات السماوية، ناداهم وخاطبهم عز وجل بأسمائهم المجردة ، إلا هو صلوات الله وسلامه عليه فلم ترد مرة مناداته باسمه مجردا عن وصف النبوة أو الرسالة، ومن ذلك :" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وأغلظ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"  "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً"   "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً" " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ*إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ*إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" "لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" وغيرها الكثير والكثير من الآيات التي يُؤدب الله بها الأمة من نبيها وقدوتها ، ومن خلال ذلك يحملها على أجمل الآداب ، وأكرم الخصال فقد أدَّب الله تعالى نبيه ليؤدب به الأمة وأدب الأمة ليؤدب بها البشرية جمعاء. ولله في خلقه شؤون. وحري بنا قبل المضي قدما في استجلاء وجه الحكمة من هذا التشريع المحكم أن نُبين المراد بقوله جل مذكورا وعز مرادا "أزواجه" هل الزوجية مجرد الاقتران به صلوات الله وسلامه عليه ولو سرحها ، أم من استمرت في عصمته حتى لحق بالرفيق الأعلى ؟؟؟، ألحقنا الله تعالى به بوجهه الكريم على السنة والإيمان الكامل وهوراض عنا غير غضبان. والجواب: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَزْوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ نِكَاحُهُنَّ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ كَانَ كَافِرًا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً". قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله تعالى - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِضَافَةُ الْبَعْدِيَّةِ إِلَى ضمير ذَات النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فى قوله تعالى "وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً"تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ حَيَاتِهِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي اسْتِعْمَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وأكَّد الحكم بالتأبيد بقوله "أبدا" فَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ عِصْمَتِهِ مِنْ نَحْوِ الطَّلَاقِ لِأَن طَلَاق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تعالى: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الْأَحْزَاب: 52]. ومما يدل على أن المراد بعد حياته لا بعد عصمته هذه الآثار عن عامر أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مات، وقد ملك قيلة بنت الأشعث، فتزوجها عكرِمة بن أبي جهل بعد ذلك، فشق على أَبي بكر مشقة شديدة، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنها لم يخيرها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولم يحجبها، وقد برأها منه بالردة التي أرتدت مع قومها، فاطمأن أَبو بكر وسكن. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ الَّتِي طلقها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَوَلَدَتْ لَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ. إن من يتأمل قليلاً ويفكر يسيراً يظهر له جلياً حكم سامية وأسرار عالة قد انطوت تحت هذا الحكم ( حرمة نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده ) ولهذا صرح به القرآن الكريم في سورة الأحزاب بقوله تعالى ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند عظيماً ) فمن الحكم الجليلة. 1-(من هذه الحكم أيضاً) لقد جاءت هذه التشريعات الهامة العامة التي تضمنتها سورة الأحزاب وغيرها من السور في حياطة بيت النبوة بسياج من الهيبة والاحترام ، وتربية للأمة على الأدب الرفيع مع صفوة الخلق وحبيب الحق صلوات الله وسلامه عليه، ليس اتهاما للمؤمنين في توقيرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من باب سد الذرائع، وقطع ألسنة السوء التي تصطاد المفتريات، وتنسج الأباطيل من الأوهام والظنون واستبعاد من أن يقع من أحد من المؤمنين بالله، أن يؤذى رسول الله بالنظر إلى نسائه، نظرة ريبة أو اشتهاء.. فذلك ما لا يجتمع معه إيمان أبدا.. ولهذا جاء قوله تعالى تعقيبا على ذلك: "ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" مشيرا إلى أن هذا الاحتياط في الحديث إلى نساء النبي من وراء حجاب، هو أطهر للقلوب الطاهرة، وأزكى للنفوس الكريمة الزكية. 2- تربية من الله تعالى للأمة على تعظيم وتوقير النبي - صلوات الله وسلامه عليه في كل وقت وحين – حيا كان أو ميتا - ومما لا شك فيه أن تعظيم شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه بين أتباعهم أمر معهود في الشرائع المتقدمة ولزوم حسن أدب معهم ، "وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ"  أما المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فقد استهدف رسالته فيما استهدفت توقيره وتعظيمه قال تعالى:"إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" وكان تعظيمه وتوقيره شعبة من شعب الإيمان.وذلك يكون بإلتزام كامل الآداب التي شرعها الله تعالى في التعامل معه ومع رسالته وأصحابه وأزواجه رضوان الله عليهم أجمعين. وتعظيم شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه أمر مستحسن أيضاً فان الأنفس البشرية تأبى نكاح أزواجهم من بعدهم ولم تجعل هذه المزية لغيره من كبراء الأمة وعظمائها وعلمائها خشية أن يضيق أمر التناسل الذي حث الشارع الحكيم على التكاثر فيه. 3- ( ومن هذه الحكم أيضاً ) سد باب التداخل والتزاحم في أمر الخلافة من غير مستحقيها فإنه لو أبيح تزوج أزواجه من بعده عليه الصلاة والسلام لكان يمكن لكل من يتزوج بواحدة منهن ولو كان غير أهل للخلافة أن يدعيها ويستولي على نفوس العامة ويخدع عقولهم بقوله ( إن معي زوجة رسولكم ولي بذلك الحق في الخلافة والتقدم على غيري ) ثم يسند عليها كل ما يروج مقاصده عند العامة الهمج كما شوهد نظير ذلك في تقلبات الدول ممن تزوج نساء الملوك بعد موتهم واستند على ذلك في التدخل في أمر الملوك يُعلم هذا من سير تاريخ الملوك السابقين وحياة الأمراء المتقدمين. 4- ( ومن هذه الحكم أيضاً) أنه لو أبيح الزواج والاقتران بأزواجه صلوات الله وسلامه عليه –ورضي الله عنهن - لانفتح بذلك باب الفتنة بين أتباعه من بعده لأن كل واحد منهم يرغب أن تكون معه زوجة رسوله صلى الله عليه وسلم يتبرك بقربها ويتيمن بذريتها ويحوز أسنى الشرف وأعظم المفاخر ويتعلم منها ما خفي على كثير من ذوي العرفان وبهذا يقع التغاير وتقوم الفتنة بينهم على قدم وساق فسدا لهذا الباب منعت الشريعة الغراء هذا الأمر على وجه الصواب،أولم يرغب الفاروق بالارتباط بنسب رسول الله صلوات وسلامه والاتصال به بسبب من الأسباب فكان أن خطب أم كلثوم ابنة علي وفاطمة – رضي الله عنهما - حفيدة رسول الله صلوات الله سلامه فاعتل عَلَيْهِ بصغرها فَقَالَ إِنِّي لم أرد ألباه وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -" كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقطعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَنَسبِي" 5-( ومن هذه الحكم أيضاً) علاوة على ما يلحق أزواجه صلى الله عليه وسلم بنكاح غيره من بعده ما يزري بمقامهن من انحطاط الرتبة والقدر وتسقط عظمتهن من قلوب الأمة جميعاً لأن المرأة التي كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقترن بسواه ولو كان أعظم رجال الأمة تكون كالمنحطة من الأوج إلى الحضيض وبذلك تنفر منهن النفوس وترتاب في حديثهن لدخولهن تحت كنف من لم تجب له العصمة فيتخيل للعقول أنهن يجرين على هواه في أقوالهن وأعمالهن ويروجن أفكاره بما ينقلن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حاشا حضراتهن من ذلك وإنما هو شيء تتخيله العقول عند ذلك وترتاب من أجله ) وحينئذ تفقد الأمة ثمرات كثيرة من علومهن اللاتي نقلنها عنه عليه الصلاة والسلام المفيدة لأحكام شرعية جليلة أخذت من أقواله وأفعاله وأحواله بنقل تلك النساء المخالطات له في أكله وشربه ونومه وجميع شؤونه في خلوته ومباشرة نسائه إلى غير ذلك وأن غالب هذه الأحكام لا تعلم إلا من جهتهن ولو اقترنت بغيره من بعده لانحطت عظمتهن في الأنفس كما قدمنا وضعفت الثقة بأخبارهن كما بينا وفاتت تلك العلوم كما أوضحنا. 6-( ومن هذه الحكم أيضاً) أن هذا من خصائصه- صلى الله عليه وسلم فَحَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَجَعَلَ لَهُنَّ حُكْمَ الْأُمَّهَاتِ. وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ تَمْيِيزًا لِشَرَفِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَرْتَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .كما أن خصائصه صلوات الله وسلامه عليه الزيادة على الأربع ، وحل الغنائم ولم تحل لأحد قبله من لإخوانه من الأنبياء عليهم السلام.وغيرها مما حوته كتب الشمائل والخصائص للسيوطى وغيره – رحمهم الله تعالى. 7-( ومن هذه الحكم أيضاً) أن الأم نسباً أو رضاعة عند سلامة الفطرة تأبى النفوس من ذوي الفطرة السليمة أن يجلس منها مجلس الرجل من امرأته وجاء التشريع الرباني مسايرً للفطرة البشرية ومقراً لها . "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً" , وقد نص القرآن على أمومة أزواجه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً" ‏فجاء التشريع بالنص على حرمة الزواج منهن مراعاة لهذه الفطرة وتوقيره .زِيَادَة تَقْرِير معنى أُمُومَتِهِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي هِيَ أُمُومَةٌ جَعْلِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِحَيْثُ إِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْجَعْلِيَّ الرُّوحِيَّ وَهُوَ كَوْنُهُنَّ أُمَّهُاتِ يَرْتَدُّ وَيَنْعَكِسُ إِلَى بَاطِنِ النَّفْسِ وَتَنْقَطِعُ عَنْهُ الصُّوَرُ الذَّاتِيَّةُ وَهَيَ كُونُهُنَّ فُلَانَةً أَوْ فُلَانَةً فَيُصْبِحْنَ غَيْرَ مُتَصَوِّرَاتٍ إِلَّا بِعُنْوَانِ الْأُمُومَةِ فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الرُّوحِيُّ يُنْمِي فِي النُّفُوسِ، وَلَا تزَال الصُّور الْحِسِّيَّةُتَتَضَاءَلُ مِنَ الْقُوَّةِ الْمُدْرَكَةِ حَتَّى يُصْبِحَ مَعْنَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنًى قَرِيبًا فِي النُّفُوسِ مِنْ حَقَائِقِ الْمُجَرَّدَاتِ كَالْمَلَائِكَةِ 8-( ومن هذه الحكم أيضاً) أن الممنوع مرغوب كما يقولون لما نزلت آية الحجاب وهي التي اشتملت على هذا الأدب من سورة الأحزاب .وربما بعض النفوس البشرية تطمح وتتطلع الأعين إلى الممنوع المحجوب فإضافةً إلى الحكم السابقة ولجما لهذه النفوس كان هذا التشريع وقد مر معنا في سبب النزول ما حكاه السدي من أن رجلاً من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب : أيحجبنا رسول الله عن بنات عمنا ويتزوج نسائنا. وروي أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة ما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت الآية في هذا، وقد غاب عن فقه هذا المتحدث ، حكمة الله وحجته البالغة وراء تزوج الرسول صلوات الله وسلامه عليه من هؤلاء النسوة ، فلم تكن هذه الزيجات عن ذواقة ولا تشه ، ولكن لمعان سامية بل تزوج بكل واحدة منهن لمعنى خاص. فعائشة وحفصة ابنتا صاحبيه أبي بكر وعمر. وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة، وزينب بنت خزيمة من المهاجرات اللواتي فقدن أزواجهن وأراد النبي- صلّى الله عليه وسلّم- تكريمهن، بغض النظر عن اعتبارات من جمال أو شباب إنما كان معنى التكريم لهن خالصا في هذا الزواج. وزينب بنت جحش وقد علمنا قصة زواجها، وقد كان هناك تعويض لها كذلك عن طلاقها من زيد الذي زوجها رسول الله منه فلم تفلح الزيجة لأمر قضاه الله تعالى،كما أشارت إليه آيات سورة الأحزاب . ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حيي بن أخطب. وكانتا من السبي فأعتقهما رسول الله وتزوج بهما الواحدة تلو الأخرى، توثيقا لعلاقته بالقبائل، وتكريما لهما، وقد أسلمتا بعد ما نزل بأهلهما من الشدة. "ومن المعاني والأسباب العامة لتعدد أزواجه صلوات الله وسلامه عليه فتتلخص في أن المصاهرة من أقوى عوامل التآلف والتناصر، ونشر دعوة الإسلام في مبدأ أمرها بحاجة إلى الأعوان، وكان المؤمنون يرون أن أعظم شرف مصاهرتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقربهم منه، كما أن تشريعات الإسلام الخاصة بالنساء تحتاج معرفتها إلى نسوة يبلغن الأحكام إلى المسلمات، فكانت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم يقمن بهذه المهمة". وكن قد أصبحن "أمهات المؤمنين" ونلن شرف القرب من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- واخترن الله ورسوله والدار الآخرة بعد نزول آيتي التخيير. فكان صعبا على نفوسهن أن يفارقهن رسول الله بعد تحديد عددالنساء. وقد نظر الله إليهن، فاستثنى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- من ذلك القيد، وأحل له استبقاء نسائه جميعا في عصمته، وجعلهن كلهن حلا له، ثم نزل القرآن بعد ذلك بألا يزيد عليهن أحدا، ولا يستبدل بواحدة منهن أخرى. فإنما هذه الميزة لهؤلاء اللواتي ارتبطن به وحدهن، كي لا يحرمن شرف النسبة إليه، بعد ما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة .. فقصره الله تعالى عليهن ، وقصرهن الله تعالى عليه فحرم على الأمة الزواج بهن من بعده. كل ذلك بهدف أن تستقر الأوضاع للحياة الزوجية في بيت النبوة، فلا يدخل عليها جديد من النساء، ولا يخرج منها أحد ممن هن فيها.وبذلك أقام الله سبحانه وتعالى حراسة على حرمات النبي من خارج بيت النبوة، وداخله، حتى لا يشغل النبي- صلوات الله وسلامه عليه- نفسه بهذا الأمر الذي من شأن الرجل أن ينظر إليه، ويهتم له.. وذلك حتى يفرغ النبي للدعوة القائم عليها، ولا يلتفت لفتة إلى ما وراءها - رضي الله عنهن وعن سائر من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين. فأين سائر أفراد الأمة منه صلوات الله وسلامه عليه. 9-( ومن هذه الحكم أيضاً) أنه لما كانت المرأة أي امرأة مادامت في عصمة رجل فلا تحل لغيره بحال من الأحوال لقوله تعالى في الآية الرابعة بعد العشرين من سورة النساء " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ..." عطفا على قوله تعالى في صدر الآية الثالثة بعد العشرين قبلهاحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً  فلهذا السبب أيضا كن محرمات على سائر أفراد الأمة فضلا عما سبق وما يأتي مما يفتح الله تعالى به. 10-( ومن هذه الحكم أيضاً) لقد تولى الله تعالى بجلاله الدفاع عن نبيه ، والذود عن حرماته صلوات الله وسلامه عليه وقد كان آية في الحياء "فيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وفى هذا إعلام من الله سبحانه وتعالى بما لم يصرح به النبي، وإن كان حقا.. فالنبى- كإنسان قد طُبع على الحياء- تمنعه إنسانيته من أن يصارح الناس بما يسوءهم، ما دام ذلك لا يجور على حق من حقوق الله، وإن كان فيه جور على نفسه.. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه كَانَ يَسْتَحْيِي مِنْهم فَلَا يُبَاشِرُهم بِالْإِنْكَارِ لما يؤذيه من تصرفاتهم وسلوكياتهم تَرْجِيحًا مِنْهُ لِلْعَفْوِ عَنْ حَقِّهِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ واللَّهَ – تعالى - لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحَيَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ : وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الْأَحْزَاب: 4] ولهذا فقد دافع الله عن النبي الكريم، وتولى سبحانه حمايته، ودفع هذا الأذى عنه وجاء هذا التشريع بتحريمهن من بعده تمشيا مع نهج الحق فى دفاع المولى تبارك وتعالى عن المؤمنين. إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" ومن هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أولى بدفاع الله تعالى عنه 11-( ومن هذه الحكم أيضاً) قوله تعالى: (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) يَعْنِي أَذِيَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَلَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنْهُ. 12-( ومن هذه الحكم أيضاً) * أن مراد الحق سبحانه أنْ يُوفِّر طاقة رسول الله للمهمة التي أُرسِل بها، وألاَّ يشغله عنها شاغل، وأيُّ مهمة أعظم من مهمة هداية العالم كله، ليس في زمنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وإنما منذ بعثته وحتى قيام الساعة .فكان هذا التشريع المحكم. 13-( ومن هذه الحكم أيضاً) * لم يكل المولى تبارك وتعالى هذا التشريع إليه صلوات الله وسلامه ، لما قرره عز من قائل من شدة حيائه ، فقد كان أشد حياء من البكر في خدرها،قال تعالى :"فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ" وإنما تولى المولى تبارك وتعالى النص عليه في كتابه الخالد.فى كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" 14-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *أنه لم يكل المولى عز وجل الأمر في هذا التشريع إليهن وقد عرف المجتمع البشري حالات من هذا التعاهد بعدم تزوج المرأة بعد وفاة زوجها من غيره فمن هن من وفى ومنهن دون ذلك وهاك بعض الأمثلة ، المثال الأول : على وفاء النساء من أمثلة الوفاء: 1- أم الدرداء مع أبي الدرداء .رضي الله عنهما روي أن أم الدرداء قالت لأبي الدرداء عند موته إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك. وإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة فقال لها فلا تنكحي بعدي، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان، وأبت أن تتزوجه المثال الثاني على وفاء النساء نائلة زوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، زوجه عثمان بن عفان، تزوجته وهي مسلمة، وكان أبوها نصرانيا .. وهي التي وجهت النعمان بن بشير بقميص عثمان إلى معاوية بالشام. وعدّها ابن حبيب من الوافيات لأزواجهن، إذا خطبها معاوية ابن أبي سفيان فألح عليها، فقلعت ثنيّتيها وبعثت بهما إليه، فأمسك حينئذ عنها، يقال إنها لمّا نظرت نائلة بنت الفرافصة الكلبية في المرآة فرأت حسن ثناياها - وقد كانت جميلة، ممتلئة الخلق، أسيلة الخد ، أصيلة الرأي وقالوا: لم يكن في النّساء أحسن منها مضحكاً .- تناولت فهرا فدقّت به ثناياها ، فقيل لها في ذلك فقالت: إنّي أرى الحزن يبلى كما الثّوب، فخفت أن يبلى حزني على عثمان فأتزوّج بعده. وعند ابن عبد ربه أنها وقفت على قبر عثمان فترحمت عليه ثم قالت: ومالي لا أبكي وتبكي صحابتي.. وقد ذهبت عنا فضول أبي عمرو ثم انصرفت إلى منزلها، فقالت: إني رأيت الحزن يبلي كما يبلى الثوب، وقد خفت أن يلى حزن عثمان في قلبي! فدعت بفهر فهمشت فاها وقالت: والله لا قعد مني رجل مقعد عثمان أبدا! ولم تزل محداً بعد قتل عثمان حتى لحقت به. في محاضرات الراغب قال أبو عبيدة: لم تف امرأة لزوجها إلّا قضاعيتان نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان رضي الله عنه، وذلك أنه خطبها معاوية لما قتل عثمان فدعت بفهر، فقلعت ثنيتها وقالت: إني رأيت الحزن يبلى فلم آمن أن يبلى حزنى فتدعوني نفسي إلى التزوّج وامرأة هدبة فإنها حين قتل زوجها قطعت أنفها وكانت حسنة الأنف لئلا يرغب فيها. قلت : لئن قال ذلك أبو عبيدة فيما أورده الراغب فإن صاحب التذكرة الحمدونية ليذكر أن امرأة هدبة لم تدم على وفائها فلم يبق إلا زوجة أمير المؤمنين نائلة بنت الفرافصة موضع حديثنا واستشهادنا وتكون الثانية امرأة أبى الدرداء رضي الله عن الصحابة أجمعين وأرى – والله أعلم أن الأمثلة على منهن كثيرة وليست على هذه الحدود الضيقة المحصورة المعدودة .ولله الحمد. المثال الأول فيما نذكر ممن هن دون ذلك: امرأة هدبة بن الخشرم لما قدّم هدبة بن الخشرم للقتل قودا قالت زوجته: إنّ لهدبة عندي وديعة، وذلك بحضرة مروان بن الحكم، فأمهله حتى آتيك بها فقال: أسرعي فإنّ الناس قد كثروا، وكان جلس لهم بارزا عن داره، فمضت إلى السوق فانتهت إلى قصّاب فقالت: أعطني شفرتك، وخذ هذين الدرهمين، وأنا أردّها عليك، فقرّبت من حائط وأرسلت ملحفتها على وجهها ثم جدعت أنفها من أصله وقطعت شفتيها وردّت الشفرة، ثم أقبلت حتى دخلت بين الناس فقالت: أتراني يا هدبة متزوّجة بعد ما ترى؟ فقال: لا، الآن طابت نفسي بالموت، وخرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقّعان الثّكل، فهما بسوء حال، فأقبل عليهما وقال: أبلياني اليوم صبرا منكما.. إنّ حزنا إن بدا بادىء شرّ لا أرى ذا اليوم إلّا هيّنا.. إنّ بعد الموت دار المستقرّ اصبرا اليوم فإني صابر.. كلّ حيّ لقضاء وقدر وقد روي أنها تزوجت بعده على تشويه خلقتها ولم تدم على وفائها. المثال الثاني: أمّ هشام بنت عبد الله بن عمر ابن الخطاب. تزوج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو أمّ هشام بنت عبد الله بن عمر ابن الخطاب، وكانت من أجمل نساء قريش، وكان يجد بها وجدا شديدا.فمرض مرضته التي هلك فيها، فجعل يديم النظر إليها وهي عند رأسه، فقالت له: إنك تنظر إليّ نظر رجل له حاجة، قال: اي والله، إنّ لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان عليّ ما أنا فيه، قالت: وما هي؟ قال: أخاف أن تتزوجي بعدي، قالت: فما يرضيك من ذلك؟ قال: أن توثّقي لي بالأيمان المغلّظة، فحلفت له بكلّ يمين سكنت إليها نفسه، ثم هلك. فلما انقضت عدّتها خطبها عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فأرسلت إليه: ما أراك إلّا وقد بلغتك يميني، فأرسل إليها: لك مكان كلّ عبد وأمة عبدان وأمتان، ومكان كلّ علق علقان، ومكان كلّ شيء ضعفه، فتزوّجته فدخل عليها بطّال بالمدينة، وقيل بل كان رجلا من مشيخة قريش مغفّلا، فلما رآها مع عمر جالسة قال: تبدّلت بعد الخيزران جريدة .. وبعد ثياب الخزّ أحلام نائم فقال عمر: ويحك، جعلتني جريدة وأحلام نائم؟! فقالت أمّ هشام: ليس كما قلت، ولكن كما قال أرطأة بن سهيّة: وكائن ترى من ذات شجو وعولة.. بكت شجوها بعد الحنين المرجّع وكانت كذات البوّ لما تعطّفت.. على قطع من شلوه المتمزّع متى لا تجده تنصرف لطياتها.. من الأرض أو تعمد لإلف فتربع عن الدهر فاصفح إنه غير معتب.. وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع 15-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *المرأة في الآخرة لآخر أزواجها في الدنيا فهن أزواجه في الدنيا والآخرة وهذا المعنى – أي زوجية المرأة في الآخرة لآخر أزواجها في الدنيا –مما ساد عرفاً في المجتمع المسلم حتى قال حذيفة لإمرأته ذلك . فقد روي عن حذيفة أنه قال لامرأته: إن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها وروي أن أم الدرداء – رضي الله عنها - قالت لأبي الدرداء – رضي الله عنه - عند موته إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك. وإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة فقال لها فلا تنكحي بعدي، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان، وأبت أن تتزوجه 16-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *حماية للأمة من الفتن فمن نفوس البشر في الأمة من لا تقبل نفوسهم أن توطأ مراكب المعصوم ولهذا جاء هذا التشريع ولهذا اعترت نفس الصديق غيرةً شديدة وحمية عظيمة لرسول الله لما لحق بالرفيق الأعلى وأقدم على الزواج من قيلة بنت الأشعث عكرمة بن أبي جهل . وما طابت نفسه الا بعد أن هدأ الفاروق من روعه بأنها لم يضرب الرسول صلى الله عليه وسلم عليها الحجاب. وفى رواية أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ثم رجعت زوج عكرمة بن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوجها ولم يبن بها فصعب ذلك على أبي بكر الصديق وقلق منه فقال له عمر: مهلا يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنه لم يخيرها ولا أرخى عليها حجابا وقد أبانتها منه ردتها مع قومها، فسكن أبو بكر 17-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *بل إن غيرة فضلاء الصحابة وذوي السلطان منهم على نسائه صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنهن قد كادت تدفعهم إلى ألا يشهد جنازة بعضهن من ليس لهن بمحرم، فقد ذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب بنت جحش إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب، فدلته أسماء بنت عميس – رضي الله عنها- على سترها في النعش في القبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر - لهذه الدرجة كانت الغيرة من الفاروق ، أكان يقبل أن يترك أحدا يتزوج بواحدة منهن بعد لحوق المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بالرفيق الأعلى.؟؟!!! وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل هذا التشريع من لدن حكيم عليم ، شرع من التشريعات ما يتلاءم مع الفطرة ، وينسجم معها ،ولله الحجة البالغة. 18-( ومن هذه الحكم أيضاً) * أنه ما تزوج رجل بامرأة سبقه غيره إلى الاقتران بها إلا أسرَّ بغضةً وشنآناً للزوج السابق ولا يصح ولا يكتمل إيمان أحدٍ من المؤمنين من هذه الأمة حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه ووالده وولده , لأنه لا إيمان لمن لا يقدمه على نفسه عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ " فَقَالَ عُمَرُ: فَلَأَنْتَ الْآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْآنَ يَا عُمَرُ " عَنْ أَنَسٍ: - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قَالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ". فحتى لا تشوب هذا الحب شعبة الإيمان شائبة كان سد هذا الباب بهذا التشريع. *واسمع ما يقول الأنصار في سيدهم سعد بن عبادة رضي الله عنه يا رسول اللّه ،... إنه رجل غيور، واللّه ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته.هذا واحد من أفراد الأمة فما البال بسيدها وإمامها وقدوتها وأسوتها وحبيبها صلوات الله وسلامه عليه؛ والله لئن كان سيد الأنصار بهذه المثابة فلرسول الله فداه أبي وأمي أشد غيرة ، أولم يقل صلوات الله وسلامه عليه " أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي" 19-( ومن هذه الحكم أيضاً) **من عموم ما قررته سورة الأحزاب التي اشتملت على هذا التشريع ، أن قررت عظيم جرم إيذاء الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، حيث قال تعالى :"إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً" فكان هذا التشريع إيذانا بأن التعرض لنسائه في حياته حرام لآية النور في حديث الإفك: " لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وأبان جل مذكورا وعز مرادا في النور انصباب لعنته تعالى على من قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ،"إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ" وجاء هذا وسط آيات الإفك والبهتان الذي تأذي منه صلوات الله وسلامه عليه حيث لاك المنافقون وخاضوا في أطهر من ماء السماء على وجه البسيطة يأتي هذا التشريع ليزيد هذا الإيذاء تجريما وتشنيعا. 20-( ومن هذه الحكم أيضاً) ***أن هذا التشريع جاء إيجابا لرعاية حرمته صلوات الله وسلامه عليه - حيا كان أو ميتا - على السواء كان هذا التشريع. 21-( ومن هذه الحكم أيضاً) **** أن هذا التشريع جاء تطييبا وتطمينا لقلبه الشريف ، وإدخالا للسرور على فؤاده وانشراحا لصدره صلوات الله وسلامه عليه واستغزارا لشكره لربه .ولطالما جاءت تشريعات ونزلت آيات لهذه الغاية والحكمة. "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ*وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ *وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ" "وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً" 22-( ومن هذه الحكم أيضاً) ****حماية وغيرة من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه الذي يغار والله تعالى أشد غيرة منه كان هذا التشريع *فنحو هذا الأمر مما تحدث الرجل به نفسه ولا يخلو منه فكره ، بل فى الناس من يفرط فى غيرته من هذا الجانب على حرمته حتى يقتل امرأته لتموت قبله فزعا من خيال أو خاطر حصولها تحت غيره وقد كانت له وتحته يوما ما كما أورد صاحب الكشاف : عن بعض الفتيان أنه كانت له جارية لا يرى الدنيا بها شغفا واستهتارا، فنظر إليها ذات يوم فتنفس الصعداء وانتحب فعلا نحيبه مما ذهب به فكره هذا المذهب، فلم يزل به ذلك حتى قتلها، تصورا لما عسى يتفق من بقائها بعده وحصولها تحت غيره 23-*( ومن هذه الحكم أيضاً) *ولما كان هذا الأمر صعبا على النفس – أعني به حصول المرأة تحت غير زوجها – رأي بعض الفقهاء أن الزوج الثاني ضروري لهدم الثلاث طلقات التي صدرت وإهدارا لها ليتمكن من إرجاعها إلى عصمته فلو تخيل المرء أن هذا المخلوق الذي جعله الله له من نفسه زوجا "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا" "جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً" وخلقه له قال تعالى:" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " ."والرسل فى ذلك مثلهم مثل سائر البشر في هذه الآية قال تعالى :"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة" إذا تخيل الإنسان للحظة أن من كانت تحته ، وقد خلقها الله تعالى من نفسه له ، ومتعه بها حينا من الزمن ، فجأة يطلب إليه كف بصره ويده عنها فقد صارت إليه وحرمت عليه وقيل له "لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً" ، لو أنه بلحظة انعدام تفكير وغياب رشد ، وذهول عقل ودون تريث وتدبر وتمعن في العواقب ينطق بلفظ الطلاق حتى الثلاث فيأتي التشريع الإلهي بحرمتها عليه وعدم إمكانية إعادتها إليه إلا بعد أن يتأبطها رجل آخر ، وتنزل في أحضان هذا الآخر ، ويجلس بين شعبها ، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته كل ذلك تأديبا وزجرا له ولأمثاله عن فض عقد الزوجية بسفه ودون أناة ولا روية قال تعالى:" الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - قَالَتْ: جَاءتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْب. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ" ولهذا يرى بعض الفقهاء أن هذا التشريع – أعنى تزوج المرأة بزوج آخر زواجا شرعيا يراد له التأبيد - ضروري لهدم الثلاث وأنه إنما يجري مجري العقوبة والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة، قاصداً لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحاً، فلو وطئها وهي مُحْرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائضا أو نفساء، أو كان الزوج الثاني صائما أو محرما أو معتكفا، لم تحل للأول بهذا الوطء، وكذا لو كان هذا الزوج الثاني ذمياً لم تحل للمسلم بنكاحه، لأن أنكحة الكفار باطلة عنده، فأما إذا كان الثاني إنما كان قصده أن يحلها للأول، فهذا هو (المحلل) الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة. عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: لعن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والمحلَّل والمحلَّل له، وآكل الربا وموكله (تفرد به البخاري من هذا الوجه) ، فصين صفوة الخلق وحبيب الخلق عن هذه المشاعر. والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم. 24-*( ومن هذه الحكم أيضاً) **زوجة الأب تأبى النفوس من ذوي الفطرة السليمة معاملتهن معامله الزوجة و"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ. " فجاء هذا التشريع تمشياً مع هذه الفطر ولهذا نزل قوله تعالى : ((وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء)) 25-*( ومن هذه الحكم أيضاً) *يأتي قوله تعالى :"إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" على أعقاب التشريع السابق وسبب نزوله إمعانا في تربية المهابة والهيبة والرهبة والإجلال لمقام صفوة الخلق وحبيب الحق إذ تقول الآية إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً من نكاحهن على ألسنتكم أَوْ تُخْفُوهُ في صدوركم فَإِنَّ اللَّهَ يعلم ذلك فيعاقبكم به، وإنما جاء به على أثر ذلك عاما لكل باد وخاف، ليدخل تحته نكاحهن وغيره ولأنه على هذه الطريقة أهول وأجزل . 26-*( ومن هذه الحكم أيضاً) **أنه مما يتناسب مع هذا المقام رد شبهة أن يكون القائل لو توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوّجت عائشة، أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله. فيما زعم مقاتل ، هذا كلام مردود سندا ومتنا لأن مقاتل، ساقط الرواية. وورد من مرسل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: نزلت في طلحة بن عبيد الله قال: إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوجت عائشة. وفيه الواقدي ساقط الحديث متروك، فلا فائدة من هذا الشاهد. وبكل حال لا يحتج بالضعاف في هذا المقام على أن الحافظ ابن حجر ذكر هذا في "الإصابة" 2/ 230 وقال: طلحة بن عبيد الله بن مسافع، يقال هو الذي نزل فيه وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا ... وذكره أبو موسى في "الذيل" عن ابن شاهين بغير إسناد، وقال: إن جماعة من المفسّرين غلطوا، فظنوا أنه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة اه