19 سبتمبر 2025
تسجيلعملية إيلات البطولية النوعية تشكل خطوة أخرى كبيرة على عملية التغيير, التي ابتدأت ملامحها في الوضوح مع بدء التغيير الشعبي العربي, وهو ما اصطلح على تسميته بــ"الربيع العربي". قيمة العملية أنها جاءت بعد صمت طويل للمقاومة،وهي نوعية من حيث تخطيطها وتنفيذها, رغم الاحتياطات الأمنية المسبقة،فقد جرى تحذير للأجهزة الأمنية الإسرائيلية من قبل عدة جهات: بأن تأخذ احتياطات أمنية تحسباً لعملية من هذا النوع.العملية أذهلت إسرائيل وقد عكست ذلك كل الصحف الإسرائيلية, فقد أدرجتها في عناوينها الرئيسية.عدم تبني فصيل فلسطيني للعملية يعني: ربما أن جهة مقاومة عربية هي التي قامت بتنفيذها. لا نستغرب ذلك, فأنابيب الغاز الموصلة بين مصر وإسرائيل من خلال سيناء جرى تفجيرها لثلاث مرات متتالية من طرف عربي،الأمر الذي يشير إلى توسيع رقعة المقاومة للمشروع الصهيوني. كجزء من الانذهال الإسرائيلي, سارع موقع عسكري إسرائيلي إلى قتل ثلاثة جنود مصريين في طابا،وهو ما أشعل الشارع المصري من جديد ضد سفارة إسرائيل في القاهرة،فقد حاصرتها الجماهير الشعبية حصاراً متواصلاً وقامت بإحراق الأعلام الإسرائيلية وانزال العلم عن مبنى السفارة ورفع العلم المصري بدلا منه , وسط مطالبة شعبية بإلغاء اتفاقية كمب ديفيد،وأدى ذلك إلى سحب السفير المصري من إسرائيل وإصرار مصر على اعتذار إسرائيلي عن الجريمة المرتكبة .الدولة الصهيونية لم تعتذر عن جريمتها،بل أسفت على الحادثة, جاء ذلك على لسان باراك وزير الحرب , كما جرى تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث. لا نستغرب عدم الاعتذار الإسرائيلي إلى مصر, فالدولة الصهيونية رفضت الاعتذار لتركيا عن جريمتها المرتكبة بحق السفينة مرمرة , وقد مارست عليها قرصنة على شاكلة المجرمين القراصنة في عرض البحر وفي المياه الدولية.جاء الرفض الإسرائيلي برفض الاعتذار في رسالة نتنياهو التي أرسلها إلى الإدارة الأمريكية،التي طالبت مراراً تل أبيب بالاعتذار من أجل إعادة الحرارة للعلاقات التركية-الإسرائيلية , ومع ذلك رفضت إسرائيل. الرفض الإسرائيلي بالاعتذار لكل من تركيا ومصر هو إحدى سمات السياسة الخارجية الإسرائيلية منذ عهد بن غوريون عقب إنشاء إسرائيل,مروراً بغولدة مائير ومناحيم بيغن وصولاً إلى نتنياهو من رؤساء الحكومة إسرائيلية. بالقدر الذي تؤشر فيه سياسة إسرائيل برفض الاعتذار إلى الصلف والعنجهية والاستعلاء والوقاحة والنظرة الدونية لغير اليهود(الأغيار), فإنها تعبر أيضاً عن وضوح استراتيجي فيما يتعلق بالنظرة العامة إلى الفلسطينيين والعرب،وبخاصة إلى التسوية معهما.لعل إحدى السمات الأساسية التي تميز حكومة نتنياهو عن غيرها من بعض الحكومات الإسرائيلية: أنها واضحة تماماً في سياساتها المنتهجة ,ذلك بسبب من طريقة تشكيل ائتلافها الذي يضم أحزاباً يمينية فاشية أبرزها :حزب"إسرائيل بيتنا" بزعامة الفاشي العنصري ليبرمان،رأس الدبلوماسية الحالية في إسرائيل. بالتالي فالحكومة الحالية هي التمثيل الأبرز للأضاليل الصهيونية التوارتية،ولحقيقة إسرائيل.هذا لا يعني على الإطلاق وجود فوارق نوعية جوهرية بين نتنياهو ورؤساء الحكومة الآخرين،فأولئك الآخرون يحرص بعضهم على تغطية قبضته الفولاذية بقفاز حريري ناعم الملمس, بينما نتنياهو يُظهر قبضته دون غطاء. لذلك فإن نتنياهو وفيما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين والعرب واضح تماماً , فبالنسبة للتسوية مع الفلسطينيين ترى إسرائيل: أن من حقهم إدارة شؤونهم الحياتية في حكم ذاتي(حتى لو جرت تسميته بدولة أو إمبراطورية) لكنه مجرد من أية مظاهر سيادية،في ظل الوضوح الإسرائيلي: برفض حق العودة ورفض الانسحاب من القدس(التي ستظل موحدة كعاصمة أبدية لإسرائيل), ومن الجولان باعتبارها"أرضا إسرائيلية"فقد جرى ضمهما بقرارين وافقت عليهما الكنيست،لذا فإن الانسحاب من أيٍّ منهما بحاجة إلى أغلبية يتم تحقيقها في استفتاء عام،يستحيل تحقيقه, في ظل مؤشرات استطلاعات الرأي،التي تبين أن إسرائيل حالياً وفي العقود القريبة القادمة( عام 2020) تتجه بوتائر متسارعة نحو اليمين،الذي سيعد من 60%-65% من اليهود الإسرائيليين.لكل ذلك فإننا أمام وضوح استراتيجي اسرائيلي كامل. بالمقابل:فإن الاستراتيجية الرسمية الفلسطينية والأخرى العربية تبدلتا:من تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني سابقاً،إلى استراتيجية وجود دولتين: فلسطينية وأخرى إسرائيلية, بمعنى:استراتيجية السلام مع إسرائيل،التي تبنتها قمة بيروت عام 2002 فيما أسمته"مبادرة السلام العربية". بالتالي،نحن أمام استراتيجيتين غير متوازنتين, غير متكافئتين،إحداهما عدوانية, والأخرى سلامية،الربيع العربي والمقاومة(كمثال:عملية إيلات) توسع الهوّة،وتعمق الشرخ الاستراتيجي بينهما،فالصراع بالضرورة إذن سيعود إلى مربعه الأول . بالتالي :فإن الاستراتيجية الفلسطينية العربية,بحاجة إلى إعادة صياغة في رؤيتها بالنسبة لمستقبل إسرائيل في المنطقة.