11 سبتمبر 2025

تسجيل

قصة الطب ودور الطبيب.. ثنائية العلم والأخلاق في مهنة الطب

26 يوليو 2023

يولد الإنسان عادة وقد حباه الله بنعمة الصحة التي قد يُغبن فيها ما لم يوفِ حقها بالحمد وحسن الاستغلال! بيد أن قدر الإنسان يفرض مواجهة تحديات الحياة التي قد يوقف عجلتها المرض بما يخلّفه من آثار صحية ونفسية واجتماعية، تتطلب إحاطتها برعاية وحب ونبل يمنحها أبطال مهنة الطب ويتقبّلها المريض .. في تحدٍ يعيد للجسد عافيته وللنفس جمالها وللحياة الانتصار. يوجّه كتاب (قصة الطب ودور الطبيب: إظهار لجمال النفس وانتصار للحياة) حديثه في المقام الأول للمهنيين في المجال الطبي، وللإداريين كمساهمين فاعلين في تلك المنظومة، ويقدّم إهداءه «إلى المريض.. المعلم الأول للطبيب» والذي يدين له المؤلف بالفضل قائلاً: «لولاه ما تعلمنا». يأتي الكتاب عصارة (علم وعمل) انخرط فيهما المؤلف منذ سن مبكّرة حتى تقاعده! إنه د. جاسم الدوري، الذي تخرّج في كلية الطب من جامعة بغداد عام 1974 وعمل في المستشفيات العراقية حتى غادرها إلى المملكة المتحدة وعمل استشارياً للطب الباطني في مستشفياتها بعد حصوله على عضوية كلية الأطباء الملكية. تعتمد هذه المراجعة على طبعة الكتاب الأولى الصادرة عام 2016 عن (دار الشروق للنشر والتوزيع)، والتي تشتمل على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر). وعلى الرغم من مادة الكتاب العلمية فقد جاءت بلغة رجل الشارع، حيث يعرض فهرسه أربعة فصول رئيسية يتفرّع عنها مواضيع عدة، فيبدأ د. الدوري حديثه في (الفصل الأول: قصة الطب وفنه) عن الإسلام كدين يحضّ على الاخذ بالأسباب، فـ «الإسلام دين الوقاية»، والحفاظ على الجسد نظيفاً وتجنيبه المحرمّات من شرب للدخان وتعاطٍ للخمور وممارسة علاقات غير شرعية، تقيه أمراض القلب والرئة وأنواع السرطان المختلفة. يستشهد في هذا بحديث النبي الأكرم ﷺ: «إِن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداوَوْا، ولا تداووا بِمحرم». يشير من ثم إلى بناء علوم الطب الحديث القائم على أسس العلماء السابقين، ففي «دولة العلم والثقافة» قام العباسيون بوضع أنظمة دقيقة لممارسة مهنة الطب والحفاظ على الصحة العامة، وهم «أول من قام بالتلقيح ضد الجدري بوضع قشور بثور المرض في جروح صغيرة في جلد الصحيح». يستمر د. الدوري بإطراء علماء الإسلام الأوائل، كالنطاسي والبيروني والرازي وابن النفيس وابن سينا، ويخص «جرّاح قرطبة الشهير أبو القاسم الزهراوي» «المكنى (شيخ الجراحين) و(أبو علم الجراحة الحديثة)، مؤلف (التصريف لمن عجز عن التأليف) ذي الثلاثين مجلداً الذي ضمنه خبرته وإبداعاته في طرق الجراحة المختلفة وآلاتها المتعددة، ولا يزال بيته قائماً في قرطبة الأندلس يزوره السائحون». أما في (الفصل الثاني: الطبيب خادم الفن) فيتطرق د. الدوري إلى الجراحة كذوق ورسم وإلى الطب كفنّ وإلى الطبيب كخادم له، يصفه فيلسوف الطب الأول أبو قراط بأن: «له ثلاثة أضلاع: المرض والمريض والطبيب! فالطبيب خادم الفن، وتعاون المريض مع الطبيب كفيل بالقضاء على المرض». ثم يخصّ حديثه عن الممرضة كركيزة أساسية في مهنة الطب، وما يجمعها مع المريض من علاقة وشيجة لا يحظى بها الطبيب المعالج عادة! فيقول في عذوبة: «إنها حقاً نعمة ربانية أن تختص المرأة بالتمريض لرقة طبعها وحنوها، وهي لا تقل عن الطبيب شأناً إذ إن هدفيهما رعاية المريض». ثم ينتقد النظرة الدونية التي قد يوجهها البعض «لهذه المهنة الإنسانية الراقية» قائلاً: «المرأة شقيقة الرجل التي جعل الله من خلقها الرعاية والحنان والحب غير المشروط، وجعل من أهم مسئولياتها رعاية الأسرة وإدارة البيت، فحيث حلّت المرأة حل النظام والنظافة والسلوك المهذب، وهذه لعمرك هي موجبات الطب حقاً». يختتم الفصل بالحديث عن أخلاقيات مهنة الطب وفضائل الطبيب التي حددها بعشرة خصال، هي: «الرعاية والاهتمام، الرأفة والرحمة، الاتصال الفعال، التعاون والتنسيق مع فريقه الطبي، الكفاءة في العلم والمهارة، التحليل النقدي والتحليلي، الجمع بين الثقة والتواضع، ذو خصال قيادية، الاستمرار بالحصول على آخر العلوم والمهارات، حصر ممارسته بخبرته واختصاصه». وبناءً على هذه الخصال، ينأى د. الدوري بمهنة الطب أن تزاول الاتجار من خلال شركات التأمين ومندوبي الأدوية وموردي الأجهزة والمعدات، إذ «لا يحق للطبيب تسخير هذه المهنة المقدسة للكنز والطمع وتحويلها من مهنة علاج العلة ومعرفة الأسباب إلى حرفة لجمع المال والاكتساب». وفي (الفصل الثالث: معلم الطبيب الأول.. المريض)، يتحدث د. الدوري بلغة وجدانية عن بعض قصص النجاح الطبية التي تشكّل في حد ذاتها أعظم متع الطبيب، وينتهي مع (الفصل الرابع: علاقة الطبيب بالمريض) بجملة من الاقتراحات العملية للتطبيق في القطاع الصحي.. وبمأثور الدعاء: «اللهم رب الناس أذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما».