12 سبتمبر 2025
تسجيلتكلمنا في المقالات الثلاث الأخيرة عن حقوق المتقاعد، وذكرنا في المقالة الأولى "المتقاعدون" (انظر الشرق 7/6/2020)، وركزنا فيها على انخفاض القيمة الشرائية للعملة، وذكرنا أن الريال القطري فقد جزءاً من قيمته الشرائية بسبب التضخم من جهة، وارتفاع الأسعار التي تفوق نسبة التضخم من جهة أخرى، وذكرنا أن الحكومة قامت بحماية موظفيها عن طريق العلاوة الدورية التي تضاف سنوياً على الراتب، في حين أنها لم تجبر الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية على حماية المتقاعدين، حيث وجدنا أن راتب المتقاعد يتآكل سنوياً بحيث أصبح لا يعادل الثلثين من المبلغ الأصلي كقيمة شرائية، وأثبتنا أن انخفاض القيمة الشرائية للريال القطري مع ثبات المعاش لن يؤثر على المتقاعد فقط بل يؤثر على مجمل الاقتصاد القطري، لأن الزيادة السنوية ستعزز القوة الشرائية للمواطنين، مما سينعش الاقتصاد ككل، وذكرنا أن الخطوة الصحيحة لتصحيح الأوضاع هي زيادة المعاشات التقاعدية بنسبة تكاد تتساوى مع نسبة التضخم أو أعلى بقليل. وفي المقالة الثانية "المتقاعدون ومكافأة نهاية الخدمة" (انظر الشرق 28/6/2020)، فرقنا بين دور الحكومة ودور الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية ذات الشخصية المعنوية، وذكرنا أن ما يُدفع كاشتراكات في صندوق التقاعد هو ملك الموظف يستفيد منه بعد تقاعده، في حين أن مدة الخدمة، وما يقابلها من مكافآت هي التزام حكومي طبقاً للمادة (169) من قانون رقم (8) لسنة 2009 بشأن إدارة الموارد البشرية، وتدفعه الحكومة للشخص عند تقاعده، ولكننا وجدنا عند تعديل القوانين وبخاصة إدخال المادة (23) مكرر على قانون التقاعد، أن الحكومة قامت بوضع يدها على العشرين سنة الأولى من عمل المواطن، وحرمته من الحصول على حقوقه المثبتة بالقوانين، وما عملته الحكومة من تعديل في القوانين يخالف روح الدستور القطري، وبخاصة ما ذكر بأن أي تعديلات "يكون الغرض منها منح مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن"، وذكرنا أنه ليس من الإنصاف ولا من العدالة أن تتم مصادرة مكافأة نهاية الخدمة، والقضاء القطري أيد هذه الحقوق للمواطن وأصدر أحكاماً تؤيد أن حقوق المواطن قد انتهكت، وأن الحكومة ملزمة بدفع مكافأة نهاية الخدمة. وفي المقالة الثالثة "المتقاعدون وبدل السكن" (انظر الشرق 12/7/2020)، ذكرنا أن إلغاء بدل السكن هو من الأمور الصعبة التي تواجه المتقاعد، فهو يخسر من جهة البدل النقدي لمواجهة مصروفات البيت المتعاظمة بسبب الغلاء الفاحش، ومن جهة أخرى يستمر في دفع أقساط قرض البيت بفوائدها، من معاشه التقاعدي "المنتف"، وذكرنا أن الطامة الكبرى تقع على الموظف المستفيد من نظام الإسكان الحكومي، فإنه تطلب منه المغادرة من مسكنه ليبحث له عن مسكن بالإيجار، وبه سيضطر إلى دفع الإيجار من معاشه المتواضع الذي يستلمه بعد التقاعد، والذي يقدر بأكثر من 50 % من المعاش، وذكرنا أنه من حق المواطن على الحكومة، وليس على صندوق المعاشات، أن تكرمه بعد تلك السنوات الطوال من العطاء، وأن تقول له "هذا تكريم لك بعد أن تقدمت في السن". بالرجوع لموقع الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية في الإنترنت وجدنا أن هدفها هو "تأمين الحياة الكريمة لأصحاب المعاش والمستحقين عنهم"، ولكنها لا تملك القدرة، ولا القوة القانونية، لتحقيق ذلك الهدف النبيل، فكل المواد القانونية التي كانت تعطيها القوة تم إلغاؤها بالمرسوم بقانون رقم (18) لسنة 2009 بشأن إلغاء بعض القوانين، فالهيئة قد تم تجريدها حتى من اقتراح زيادة المعاشات، وأيضاً جُردت من إمكانية منح معاشات استثنائية، أو زيادة كل أو بعض المعاشات المستحقة، وبه أصبحت الهيئة فقط مشرفاً على صندوق تلقي الاشتراكات، ومشرفاً على دفع المعاشات الشهرية، يعني بعبارة أخرى لا تنتظروا يا متقاعدون أي خير يأتيكم من الهيئة بصفتها الحالية. وهنا يبرز السؤال الاستفساري الموجه للحكومة: لماذا قامت الدولة بضخ المليارات لمساعدة القطاع المصرفي (مثلما حدث في 2008) وفرض تأجيل الأقساط وفوائدها للشركات القطرية (مثلما حدث في فترة كورونا)؟ طبعاً سيكون الجواب هو أنه تم الدفع كمحفزات مالية واقتصادية، ولتوفير كافة سبل الدعم الممكنة للقطاع الخاص، ولإنعاش الاقتصاد المحلي، وحمايته من تبعات الأزمة المالية، وفيروس كورونا. يعني كل الدعم كان موجهاً للشركات لتوفير المواد التي يرغب فيها جمهور المستهلكين، وهذا شيء طيب، لكن هذا الجمهور الاستهلاكي، ولنقص السيولة النقدية لديه، قام باتجاه معاكس لما تريده الدولة، فأصبح لا ينفق إلا على المواد الضرورية، مما أدى لحالة من الانكماش والكساد الذي لم يسلم منه أي قطاع من القطاعات المختلفة، لأن الشخص وببساطة لا يجد النقود التي يشتري بها السلع، أما لو تم الدفع للمواطنين، بأي شكل من الأشكال، عندها يستطيع هذا المواطن القيام بالشراء، يعني أن المواطن سيسلم هذه المبالغ للشركات مقابل السلع والخدمات، وهذه بدورها ستذهب للبنك من خلال الشركات، وبه تتحقق دورة كاملة لرأس المال، وسوف يستفيد الجميع من مواطنين وتجار وبنوك. الدول الغربية، وأمريكا، وكندا، وحتى دول آسيوية، فهموا هذه الحقيقة، لهذا نجدهم في فترة أزمة كورونا، وحتى يحافظوا على اقتصادهم من الانكماش، كانوا يرسلون أموال الدعم للأفراد، لكل شخص، أو لكل أسرة. وفي الختام نقول إن المتقاعد الذي تآكل معاشه بالزمن، أو بغلاء المعيشة، لن يساهم في الاقتصاد لأنه لا يجد شيئاً من أرزاق يستطيع الإنفاق منها، وسيعاني الاقتصاد من الكساد الذي سيؤثر سلباً على كل الأنشطة، وحتى تكتمل الدورة الاقتصادية، وتكتمل معها دورة رأس المال، فمن المهم أن تمد الحكومة يدها للمتقاعد حتى يستطيع هذا المتقاعد أن يمد يده لرفع شأن الاقتصاد المحلي، وكلكم تعلمون أن المواطن لن يرسل أمواله للخارج بل سينفقها محلياً، يعني ما فيه شيء ضائع. والله من وراء القصد،، [email protected]