13 سبتمبر 2025

تسجيل

المتلاعبون بالعقول

26 يوليو 2017

يأتي الكتاب الشهير (المتلاعبون بالعقول) The Mind Managers للكاتب (هيربرت شيللر) والذي صدرت ترجمته الأولى عام 1986 في سلسلة (عالم المعرفة) التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بدولة الكويت، نبوءةً بعيدة لواقع الحال هذه الأيام في منطقة الخليج العربي؛ وما رافقَ اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وبث مواد إعلامية على لسان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، الأمر الذي تم نفيه في حينه، إلا أن وسائل الإعلام التي روّجت لمادة الاختراق لم تلتفت إلى النفي، وهو حق إعلامي للمصادر التي تحترم عقلية المتلقين، ومصادرة للضمير المهني الذي رافق الحملة على دولة قطر، وما تبعها من لائحة "المطالب" الثلاثة عشر والتي صيغت بأسلوب ركيك لا يتناسب مع القيم الدبلوماسية! ولعل أكثر المطالب غرابة واستهجانًا من عقلاء أهل الخليج هو المطلب الثامن، والذي يطالب دولة قطر "بتعويض عن الضحايا والخسائر، وما فات من كسب للدول الأربع بسبب السياسية القطرية"!؟ لاحظوا صياغة ما تحته خط!؟وإذا كان (شيللر) قد أشار إلى دور الإعلام في "تضليل" الشعب الأمريكي (ص9)، وأن ذلك الإعلام "في أيدي مجموعة صغيرة حاكمة من صنّاع القرار وأصحاب الشركات والمسؤولين الحكوميين... فحقيقة التمايز بين من يملكون ومن لا يملكون، ينبغي ألا تُفهم على أنها تعني وجود فاصل جامد لا يمكن تخطيه بين الفئتين... وحيث يكون التضليل الإعلامي هو الأداة الأساسية للهيمنة الاجتماعية، كما هو الحال في الولايات المتحدة، تكون الأولوية لتنسيق وتنقيح الوسائل التقنية للتضليل على الأنشطة الثقافية الأخرى.. وهكذا ينتهي الأمر بالدارسين الموهوبين من حاملي الدكتوراه في الأدب الإنجليزي إلى وظيفة محرر إعلانات، فشارع (ماديسون) يدفع أضعاف ما تدفعه أقسام اللغة الإنجليزية بالجامعة" (ص11)ولقد أعادت لي مشاهدُ التضليل الإعلامي التي واكبت قضية حصار دولة قطر من قِبل الأشقاء، صفحاتٍ من كتاب (المتلاعبون بالعقول)، وكأن كاتبه قد تنبأ بما سيحدث في إعلام المنطقة، وذلك قبل حوالي خمسين عامًا أو أكثر.فالمتلقي لم يعُد يستطيع التقرير مع مَن يقف؟ ومن يقول الحقيقة؟ طالما أن الحرب الإعلامية – التي تم الإعداد لانطلاقتها في هدأة ليل مع "نشوة" أنا الخليجي.. والخليج أهو طريجي!!؟" – قد ضربت عرضَ الحائط بكل نُبل ومقاصد التغطية الإعلامية، وتخندَق أصحاب أدوات التواصل الاجتماعي، كلٌ خلفَ بلده، وتبارت "القبائل" في تأكيد ولاءاتها لأصحاب القرار، في شكل زاد من قتامة وضبابية الصورة، وتحوّل الوطن – عند كثيرين – إلى "قبيلة" تتحالف مع النظام، وتَمثّل حبُّ الوطن في حجم وضخامة ووضاعة "سبِّ وشَتم الطرف الآخر"، بل واللجوء إلى تحقير الشخصيات السياسية والمسؤولين، دون مبرر، سوى أن "الماكينات الإعلامية" نجحت في الولوج إلى عقول الناس، وحَرّضتهم على متابعة المزيد من "نبش الماضي" وقلب الصور، واستخدام مقاطع فيلمية في غير مكانها أو سياقاتها، بقصد زيادة جرعة التلاعب بعقول أهل الخليج الذين تجمعهم العمومة والخوؤلة ووحدة المصير!وفي وقت كهذا، تضيع كلمة الحق، بل وتضيع الحقيقة، ويتحول الإعلاميون إلى "من يدفع أكثر"، كما قال (شيللر)، لأن الفضائيات التي جيّشت الإعلاميين في (هدأة ليل)، كانت تدفع الكثير لمن يزيد في جرح أهل قطر، ويحشر خنجرهُ في خواصر الأهل والأشقاء، وللأسف تحوّل الإعلامُ الخليجي – في الدول الثلاث – إلى شبيه لبعض وسائل الإعلام المصري، والذي نشاهد تَحوّل كثيرٍ من "نجوم" الشتم والقذف فيه إلى الطرف الآخر!؟ حسب تقلبات "بورصة" الدفع الأكثر!؟وهذا الوضع دفعَ إلى وجود حالة من "الصراع"، ليس على حفظ المبادئ والقيم، بل على عدم الاعتراف بحالات التشتت الاجتماعي في الدول الخليجية الأربع، ما حطّم المقولة العربية التي يُعتد بها (أنا وابن عمي على الغريب) وصارت (أنا والغريب على ابن عمي)!؟ حيث تبرأ أبناء العمومة والخوؤلة من بعضهم، لربما عن وطنية زائدة أو لدرء خطر داهم، ظهر في شكل قوانين طارئة هدفت لوقف التلاحم الأسري والقبلي بين شعوب الخليج. ولعل السيسيولوجيين أقدر على دراسة هذه الحالة، التي تحدث لأول مرة في منطقة الخليج العربي. ومن ناحية قانونية فإن تحالف دول الحصار مع مصر مخالفة واضحة للنظام الأساسي لمجلس التعاون.ولقد نجحت وسائل الإعلام أيضًا – ضمن خطة التلاعب بالعقول – أن تروّج مقاطعَ لأرفُفٍ خالية من الأطعمة على أنها في دولة قطر، وهذه لعبة صبيانية تجافي الواقع، وأن دولة قطر قد وفَّرت للمواطنين والمقيمين كافة السلع لشهور وسنوات قادمة، وهذا الموضوع يعيدنا إلى البند الثامن من قائمة المطالب، وهو "التعويضات"، حيث بدت اعترافًا واضحًا بتضرر تجار وشعوب البلدان التي فرضت الحصار لا دولة قطر.ومع أن وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة خلقت رأيًا عامًا اقترب من روح العداء والكراهية ونهمِ المجاهرة بهما بين شعوب الخليج، إلا أن (شيللر) قد توقع ذلك، دون أن يُدرك عهد وسائل التواصل الاجتماعي في كتابه المذكور، حيث دعا إلى إشراك العامة في النشاط الإعلامي، واعتبر ذلك "أقوى دفاع على الإطلاق يمكن أي مجتمع في مواجهة السيطرة الإعلامية وتوجيه العقول". (ص 264)وكإجراء احترازي من ذلك، قامت دول الحصار بحظر كافة المواقع القطرية على الإنترنت، وكذلك القنوات الفضائية، كي تمنع وصول الوجه الآخر للقضية، وبحيث تضمن "توجيه العقول" نحو ما تريده!؟