13 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتخابات الأمريكية وخسارتنا المزدوجة

26 يوليو 2016

تستعد الولايات المتحدة لانتخاب رئيس جديد، ويبدو حسب أدق التحليلات أن يكون "رئيسة" وهي السيدة هيلاري كيلنتون، فيحق حينها للآباء الأمريكيين أن يتفاخروا ويقولون: ها قد انتخبت أمريكا أول سيدة لتكون سيد العالم الحرّ، بعد أن قدمنا للعالم الأبيض أول رئيس غير أبيض، وهذا إن حصل لن يكون فخرا حقيقيا، فقد سبقتهم الأخت غير الشقيقة، المملكة المتحدة التي تتربع على عرشها الملكة إليزابيث الثانية منذ أكثر من ستين عاما، وكذلك الحال مع المستشارة أنجيلا ميريكل، فيما تسبق لندن اليوم واشنطن حيث انتخبت السيدة تيريزا ماي رئيسة للوزراء، وقبلها بخمسة وثلاثين عاما كانت مارجريت تاتشر السيدة الحديدية رئيسة للحكومة، والتي تعادل بمنصبها رؤساء الولايات المتحدة آنذاك جيمي كارتر وجورج بوش. مع فارق التشبيه فإن منظمة الأخلاق العالمية التي تظهر فجأة عندما يقترب موعد الانتخابات العامة للدول، وترتفع فيها راياتها الخفاقّة بشعارات الحرّية والعدل والديمقراطية وشعارها الكبير إنقاذ العالم، سرعان ما تتلاشى فيها كل الوعود البراقّة وتتبخر كل أحلام المؤيدين، ويستيقظ العالم من غفلتهم ليسمعوا كلاما جديدا من الزعماء الجدد الذين ينفصلون تماما عن واقعهم، وينغمسون في الشخصية الجديدة، شخصية القائد العالمي، مع فارق المنصب أو المكان، فالبرلماني يفرض نفسه قائدا للمجموعة التي انتخبته، ورئيس أمريكا ينسى كل ما كان يصرخ به خلال جولاته وحملاته، فيعود إلى استكمال الخطة الإستراتيجية المعدة مسبقا.. فالجميع لديهم خطة بديلة مسبقة لا يحيدون عنها، يلحسون شعاراتهم السابقة ويعتمدونها. في الأمس القريب لم تخرج "ميركل" لتتهم مواطنها من أصل إيراني بأنه إرهابي، لأنه لم يكن على اتصال مع أي منظمة إرهابية، ولا ندري إن خرجت قصاصة ورق من المخابرات الألمانية العريقة لتكشف خيوطا أخرى وراء هجوم ميونيخ الذي أوقع عددا من الضحايا، ولكن قنوات فضائية عربية شهيرة بدأت فورا بتوجيه تهمة الإرهاب لمنفذي عملية ميونيخ، قبل أن تتراجع لتضع احتمالية الشك، بأن المهاجم أو المهاجمين هم محليون وغير إرهابيين، وحتى اللحظة تنفي الشرطة الألمانية أن تكون العملية مرتبطة بالإرهاب، فكيف يفسر العالم لنا هذه النظرية الجديدة، حيث لا يمكننا وصف الإرهابي إلا لعربي مسلم فقط، وهذه فرصة جديدة لضخ المزيد من الشعارات الانتخابية ضد الأعداء المفترضين.في خطابه لإعادة تنصيبه رئيسا للفترة الثانية عام 2005 أغرق "جورج بوش" الفضاء بمصطلحات برّاقة، ليتخفى وراء القيمّ العظيمة التي يستغلها الطامحون للزعامة، وتلخصت رسالة بوش الذي دمرّ العراق وأخرج الشيطان من قمقمه كما نراه اليوم، هي "نشر الحرية في العالم ومساعدة الشعوب المقهورة على التخلص من حكامها الطغاة"، ولأن الكلام سهل، فقد كانت الديمقراطية والحرية والتغيير وتقرير المصير واستقرار العالم والتخلص من الأشرار، هي كلمات مفتاحية استخدمها بوش وغيره من الحلفاء والمساعدين للترويج لنظرية الزعامة والتسلط الجديدة، فيما يغرق العالم اليوم بعد عشر سنوات بأبشع مناخ للفقر والكراهية والحروب وانهيار الدول والأنظمة والفوضى غير الخلاقة.اليوم مثلا، لا نزال نسمع ونرى الأسوأ مما قد نسمعه من وزراء خارجية العالم الحاكم، مثل السيدان كيري ولافروف وكذلك كي مون، من أنه يجب وضع حدّا للحرب في سوريا، ويضيف كيري أنه يجب على الرئيس الأسد الرحيل لإنهاء المسألة، فيما يرد الرئيس الأسد من قبل على هذا الكلام بالإبتسام والاستهزاء، فهو رئيس منتخب كما يرى هو، وباقٍ على كرسي العرش كما يظن، فيما الرئيس أوباما والوزير كيري راحلون عما قريب إلى أسرّة النوم الطويل بجانب جورج بوش ووزراء خارجيته كولن باول وكونداليزا رايس، ولا أحد في العالم حاسبهم على دمار الشرق الأوسط سابقا.الرئيس الأمريكي الجديد سيأتي في ظرف حاسم لمنطقة تعاني من انهيار الأخلاق العالمية، وانكشاف زيف كل التصريحات والتهديدات للأنظمة المستبدة، والمنظمات الإرهابية، وفي ظل الركود الاقتصادي المخيف وتوحش رأس المال العسكري، وقد نشهد قدوم أول رئيسة للولايات المتحدة السيدة كلينتون، وهي تحمل في حقيبتها خططا جديدة لعالم عربي جديد، قد لا يكون للتاريخ السياسي والزعامات محلا واسعا فيه..إذا لم يحالفنا الحظ، فإن نجاح أي من المرشحيّن لرئاسة الولايات المتحدة، سيكون وبالا على عالمنا العربي، إما إهمال أو استهداف جديد، وسيكون التقييم الوطني العربي مختلف تماما عن الشعارات التي كانت تحفظها الشعوب العربية قديما، فكلينتون ليست أفضل من منافسها ترامب، وخطتها تغيير الأنظمة الحاكمة لتتوائم مع إستراتيجيتها، وبذلك ستعيد تاريخ الجمهوريين بطريقة الديمقراطيين، وحينها ستكتمل صورة الدمار الشامل الذي تدفع به الإدارة الأمريكية المترددة اليوم والمتهورة في الأمس، للتخلص من الطغاة وبقاء الإرهابيين البغاة.