13 سبتمبر 2025
تسجيلجاء طلب وزير الدفاع المصري من الشعب، تفويضه بشكل مباشر لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، بمثابة نقلة نوعية وذروة في الصراع السياسي الجماهيري الجاري في البلاد، نقلة لها ما بعدها. قيل إنها محاولة لتعميق الطابع العسكري للتغيير الذي جرى في 30 يونيو الماضي، وفعل وكشف ما كان يراد ستره بتحويل الانقلاب العسكري الخشن إلى انقلاب ناعم، على اعتبار أن الفريق السيسي أخذ مساحة من الدور السياسي بهذه الدعوة المباشرة له، لا تتناسب مع مكانته في النظام السياسي – أيا كان وصفه- إذ هو تخطى رئيس الوزراء ورئيس الدولة المؤقت، بطلب الدعم والتفويض المباشر له هو من الشعب. وقيل إن تلك الخطوة جاءت بمثابة إعلان حرب على الرافضين للانقلاب العسكري، إذ اعتبرت تلك الدعوة بالتفويض لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل تفويضا بممارسة القمع على اعتبار أن العنف والإرهاب كلمة مطاطة من جهة، وبالنظر إلى ما يردده الإعلام الخاضع للحكم الراهن من اتهام للإسلاميين والرافضين لانقلاب 30 يونيو بأنهم دعاة عنف وإرهاب وأنهم يمارسون العنف والإرهاب حين يرفضون سلطة الانقلاب وشخوصها وإجراءاتها. ورأى بعض ثالث أن الدعوة جاءت بمثابة تهديد أو اندفاع نحو الحرب الأهلية في مصر، باعتبارها دعوة للاحتشاد الشعبي الموالي للانقلاب في ذات يوم ذروة الاحتشاد الشعبي الرافض للانقلاب. وقيل أيضاً إن الدعوة ومضمون الخطاب الذي وردت فيه، جاء كلاهما كاشفا بأن وزير الدفاع كان هو الداعي من قبل لاحتشاد الناس يوم 30 يونيو. غير أن المعنى الأخطر هو أبعد من طبيعة اللحظة مع صحة كل الاحتمالات الأخرى. المعنى الأخطر أن الدعوة حملت مضمون القفز على كل كيانات الدولة وعلى كل ما استقر عليه المجتمع من تنظيمات قانونية وعرفية من أحزاب ونقابات وهيئات، وقامت على تعظيم دور فرد وجعله في حالة تفويض مباشر من متجمهرين في ميدان، دون التزام بقواعد وأسس وقيم والدولة والمجتمع. وهي حالة يصبح فيها الفرد أعلى من كل مؤسسات المجتمع، كما هي حالة تعميد المجتمع لوضعية ما قبل الدولة الحديثة وخروج على هيئاتها ومؤسساتها ونزول بالتفويض الشعبي إلى منزلة حالة اليونان القديمة في عمق التاريخ. إن خطر التفويض المباشر ينتقل الآن من الحالة التي جرت على أساسها قصة 30 يونيو –على مصيبتها-التي قامت على التفويض المباشر لمؤسسة – القوات المسلحة-إلى حالة التفويض للفرد، ودون مفهوم ولا مضمون واضح للتفويض وإجراءاته وطرق مراجعته والتراجع عنه أو إنهاؤه، بما يعمق مخاطر القرارات والإجراءات ويفتحها على آفاق ديكتاتورية الفرد من أوسع الأبواب. وفي الأصل هي تحول بالغ الخطر يحل فيه الفرد محل الدولة والمجتمع ويصبح بديلا لهما في إدارة السياسة والاقتصاد وتحديد ملامح الحريات ووسائل التعبير.هي حالة من حالات الحكم وفق مقولة ونظرية الحكم البونابرتي التي قامت على قاعدة أن بونابرت هو الدولة والدولة هي بونابرت أو أنا الدولة والدولة أنا. الآن يتخطى الخطر فكرة الثورة والحركة الإسلامية إلى حالة مهددة للدولة والمجتمع أو إلى كسر عظام الدولة والمجتمع وفتح المجالات لأشد الإجراءات والخطوات الفردية دموية. مصر وأحداثها تسير في طريق هو الأخطر عبر تاريخها. فالقادم هو نزاع يجري دفع الشعب فيه– ممثلا في تيارات فكرية وسياسية مجتمعية- للمواجهة مع القوات المسلحة، وهو ما لم يحدث من قبل عبر التاريخ المصري وبطبيعة الحال منذ بداية ثورة يناير. الخوف هنا أن هذه القفزة في تصعيد الصراع تأتي بعد أحداث وتطورات جرت منذ ثورة يناير وحتى الآن، حملت في ثناياها حالات تفكيك في الإجماع الوطني داخل المجتمع والدولة بما يفتح الأبواب واسعة نحو تطورات غير محسوبة وتحمل في ثناياها احتمالات خروج الأوضاع عن سيطرة كل الأطراف. ليحرص الجميع على كل فعل ينزلق بالبلاد إلى صراع بين فئات مجتمعية والقوات المسلحة الوطنية.