28 أكتوبر 2025

تسجيل

الأسلحة الكيميائية .. بداية النهاية للنظام السوري

26 يوليو 2012

إن التطورات الأخيرة في الأزمة السورية تشير إلى أن نظام الرئيس بشار الأسد قد شارف على نهايته. وأن اغتيال كبار المسؤولين الأمنيين المقربين من الرئيس بشار الأسد بمن فيهم وزير الدفاع ونائبه (وهو صهر الرئيس بشار)، فضلا عن الهجمات المتلاحقة على العاصمة دمشق وحلب، كلها تطورات توحي بأن قبضة النظام وسيطرته على البلاد قد ضعفت. وإذا سقطت مدينة حلب بأيدي قوات المعارضة، في ظل مؤشرات قوية تدل على إمكانية سقوطها قريباً، فإن ذلك سيعني سقوط أول وأكبر مدينة سورية بأيدي المعارضة، حيث ستصبح منطقة آمنة وستوفر قاعدة لمزيد من العمليات ضد القوات الحكومية.هذا بالإضافة إلى اعتراف المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي لأول مرة بامتلاك سوريا للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، مهددا باستخدامها في حال تعرض البلاد لأي هجوم خارجي. كما أن التعديل الأخير على البيان الذي أرسل لاحقا إلى الصحفيين بإضافة عبارة "إن وجدت" في محاولة منه للتراجع إلى مواقفه السابقة التي لا ينفي فيها أو يؤكد امتلاك بلاده لأسلحة الدمار الشامل، فإن هذا في حد ذاته يعكس حالة اليأس التي يعيشها النظام الذي أخذ يفقد السيطرة حتى على البيانات التي يقدمها لأجهزة الإعلام. والجدير بالذكر أن وزير الخارجية وليد المعلم لم يظهر علناً منذ فترة، ولم يكن هو الذي قدم الإعلان المتعلق بالأسلحة الكيميائية والجرثومية السورية.منذ مدة والشكوك تحوم حول سوريا التي اتهمت بتطوير الأسلحة الكيميائية، إلا أنها نفت في عام 2003 الاتهامات الأمريكية بتطوير أسلحة كيميائية، واعتبرت ذلك محاولة أمريكية لحماية المصالح الإسرائيلية، وأعادت إلى الأذهان ما حدث مع العراق من اتهامات مماثلة خلال الحرب الثانية على العراق. كما سبق وأن أثير موضوع الأسلحة الكيميائية السورية في عام 2007، عندما قصفت طائرات إسرائيلية موقعا سوريا اشتبه في أنه يحتوي على مفاعل نووي تحت الإنشاء.وقد استغلت وسائل الإعلام، خاصة الغربية منها، ما اعتبرته اعترافا سوريا بامتلاك مخزون من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، حيث لوحظ تغيير مفاجئ في توصيف الإعلام للأزمة السورية.ومن الواضح أن التقارير الإخبارية الغربية تعكس اهتماما بالأسلحة الكيميائية التي يعتقد بأن البلاد تمتلكها، فأخذت تثير قضية تأمينها خلال الفترة التي تعقب سقوط حكم الأسد، لتفادي وقوع هذه الأسلحة في أيدي عناصر القاعدة.والاعتراف السوري الأخير بوجود الأسلحة الكيميائية قد جعل الإعلام يثير إمكانية استخدام نظام الأسد لهذه الأسلحة ضد دول أخرى في المنطقة. وقد سارع الرئيس أوباما إلى تحذير سوريا من الوقوع في خطأ مأساوي باستخدام الأسلحة الكيميائية، حيث سيجعلها ذلك مسؤولة أمام المجتمع الدولي. ومن ناحية أخرى فإن وزير خارجية روسيا، الذي تعتبر بلاده أكبر داعم للنظام السوري، قد استنكر التهديد السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية في حالة التعرض لهجوم خارجي، محذرا من استخدامها. في حين عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء مع الشبكة الأمريكية "فوكس نيوز" عن قلقه من إمكانية امتلاك حزب الله لهذه الأسلحة بعد سقوط نظام الأسد.وبما أن موضوع الأسلحة الكيميائية أصبح حقيقة ماثلة، إلى جانب حتمية سقوط نظام الأسد جراء الأوضاع الراهنة في البلاد، فإن كل هذا يستدعي التفكير مليا فيما يمكن عمله بعد سقوط الأسد.وهنالك إجراءان يحتمل أن يؤخذا في الاعتبار لضمان استقرار المنطقة، ولتأمين سلامة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي يمكن أن تقع في أيدي جهات غير مسؤولة يخشى أن تستخدمها في أجندات خاصة بها.ويتمثل الاحتمال الأول في اقتراح سبق وأن تقدم به حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو إرسال قوات مدعومة من جامعة الدول العربية على غرار قوات الردع العربية التي أرسلت إلى لبنان عام 1976 إبان الحرب الأهلية اللبنانية. ويمكن إرسال هذه القوات إما بعد سقوط نظام الأسد أو بعد خضوع أجزاء واسعة من الأراضي السورية لسيطرة المقاومة من أجل ضمان استقرار سوريا وتأمين سلامة هذه الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.والإجراء الثاني الذي يمكن أن يؤخذ في الاعتبار هو إرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة التي يمكن أن تؤمن سلامة أسلحة الدمار الشامل، وتعمل دون إساءة استخدامها من قبل أي جهة.ولكن نتمنى ألا يكون الوضع في سوريا شبيها بما آلت إليه الأوضاع في العراق، حيث اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية من ذريعة امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل حجة لغزو العراق مما أسفر عن حرب أهلية ودمار هائل للعراق وحالة من عدم الاستقرار لا تزال تعاني منها البلاد حتى الآن. فرغم اعتراف سوريا بامتلاكها للأسلحة الكيميائية إلا أننا لا نريد أن نرى البلاد تنزلق نحو حرب أهلية مدمرة من شأنها أن تشكل تهديدا ليس للشعب السوري وحده بل يمكن أن تمتد آثارها إلى دول الجوار.ولهذا لابد من تنحي الأسد حالاً لتفادي المزيد من إراقة الدماء وما تتسبب فيه من حالة عدم الاستقرار للمنطقة وتصعيد التوتر وتوسيع دائرة الصراع، نظرا لما تمثله هذه الأسلحة من تهديد ليس للدول المجاورة لسوريا فحسب بل للمجتمع الدولي عامة.