حج الشتاء.. والصيف

نعمة عظيمة كوننا مسلمين.. اختارنا الله سبحانه في هذا الدين العظيم بروحانيته وسماحته وشعائره، يتنقل المسلم بين مواسم الطاعات.. من شهر الصيام رمضان وأعظم ليلة فيه ليلة القدر، إلى أيام عيد فطر وفرح، إلى موسم الحج بشعائره ويوم عرفة.. الركن الخامس الحج ركن رائع وعظيم، تجتمع فيه الوفود من كل فج عميق، تختلف اللغات والألوان والأعمار والمستويات الاجتماعية، وتتساوى في الحج في لبس ولون واحد، وفي مكان واحد، ووقوف على صعيد عرفات، وفي حاجات ودعاء وتضرع وتسول ودموع وتمنيات لله سبحانه وتعالى الكريم في هذا اليوم وكل أيام العام. في الحج تسمو المعاني الروحانية والنفسية الذي يحث على ترك المظاهر والزينة.. والتمتع بمناسكه والتقشف في رحلة الحج والابتعاد عن المظاهر والتميز والترف.. ففي الحج تجتمع وتلتقي الجموع من كل دول العالم، تجتمع فيه أفواج عظيمة يلتقون في مكان واحد ومناسك متتالية، يتبعون سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام وهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. مناسك الحج تعلم الإنسان الصبر والنظام، وتقدم له صورة حية عن معنى التواضع والرحمة والإنسانية، ومعنى الاجتماع والوقوف أفواجا أمام الله سبحانه وتعالى وملائكته يرجون رحمته ويخشون عذابه.... واستشعار معنى أن يكون عبدا لله سبحانه. في الحج تتكون صحبة وما أجملها من صحبة تلتقي في السكن وفي منى وفي عرفات وأيام التشريق..هذه الصحبة تبقى مستمرة ونقية بعد الحج، إن التقت مرة أخرى كانت القلوب والأرواح كمن التقت للتو بطهارة اجتماعها الأول..تعود لذكريات الحج وتلك الأيام التي يتسابق الجميع لخدمة الجميع طلبا للأجر، وكسب المعرفة والصحبة والتعارف. وللحج فضائل مهمة وردت في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم وأحاديثه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه « ففي هذا الحديث بيان أن الحج يكفر جميع ذنوب الإنسان السابقة التي اقترفها في مدة حياته. وعنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:» الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة «ويدل أيضا على فضل الحج ما يكون في عشية عرفة من تنزل الرب سبحانه وتعالى ومباهاته سبحانه لملائكته بالحجاج فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:»ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء» ويدل أيضا على فضل الحج ما يكون فيه من إقامة لذكر الله والتقرب إليه بالهدي والذبائح. تستغرب من يؤجل أداء هذا الركن العظيم وهو بصحته ويمتلك المال والوقت لذلك، يبقون في لهو الدنيا وزينتها عن أداء مناسك الحج ! كم من أشخاص ينتظرون سنوات طويلة يجمعون فيها المال الحلال من مكسبهم لاداء هذا الركن وعلى استمرار الطاعة لاستشعارهم بقيمة الحج وصعوبة الوصول إليه أعوام أخرى. ◄ آخر جرة قلم: كتب عباس محمود العقاد رحمه الله عن الحج:» يمتاز الحج في الإسلام بدلالته الروحية التي لا ترتبط بمراسم الزرع ولا الحصاد، فإنه يتفق في جميع المواسم والمواعيد، يأتي في الشتاء أو الصيف، كما يأتي في الربيع وهو بهذا المعنى علاقة سماوية روحية تناسب مقصدها الأسمى من تحقيق الرابطة بين الأمم التي تدين بعقيدة واحدة في أرجاء الكرة الأرضية» الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. اللهم اجعل لنا توفيقا وقبولا للاعمال والطاعات في هذه الأيام العشر المباركة ووفقنا لقيام يوم عرفة…