19 سبتمبر 2025
تسجيلشهدت إسبانيا في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ازدهارًا عقاريًا توقف بشكلٍ مفاجئ مع اندلاع الأزمة المصرفية في عام 2008. وخلال تلك الفترة، تم بناء حوالي 5 ملايين منزل بين عامي 2000 و2008، تحسباً لاهتمام المشترين الأجانب، والإقبال الزائد جدًا على العقارات. وأشارت التقديرات إلى أن 3 ملايين عقار كانت لا تزال فارغة في عام 2015، وأن بعض مشاريع التطوير العقاري توقفت ولم تكتمل. فهل يتعرض سوق العقار في قطر لحالة مشابهة؟ من غير الوارد أن يحدث ذلك، ولكن من الحكمة مراقبة وضع السوق. فقد أشار تقرير حديث صدر عن وكالة ترويج الاستثمار في قطر وشركة إرنست آند يونج بعنوان "آفاق سوق العقارات في قطر – بناء المستقبل" ونشر في شهر سبتمبر 2022 إلى أن المعروض السكني خلال العقد الممتد بين عامي 2010 – 2020 قد ارتفع سنويًا بنسبة 6.9%، بينما سجل تعداد السكان ارتفاعًا بنسبة 3.8% في كل عام خلال الفترة نفسها. وأشار التقرير إلى أن العقارات أصبحت من أسرع القطاعات نموًا في قطر، حيث احتلت المرتبة الثانية بعد الهيدروكربونات في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد سجل الناتج المحلي الإجمالي لقطاع العقارات نموًا بنسبة 18٪ خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2020، بينما تضاعف عدد تصاريح البناء الصادرة تقريبًا خلال الفترة نفسها. ولكن مع عدم تحقيق النمو السكاني لمعدلات نمو مماثلة. وكشف تقرير آخر عن وجود مؤشرات على استقرار القطاع بعد استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي. وأصدرت شركة الاستشارات العقارية ValuStrat تقريرًا عن العقارات في قطر خلال الربع الأول من عام 2023. وتوصل التقرير إلى أن الشقق السكنية سجلت انخفاضًا طفيفًا في القيمة الرأسمالية بنسبة 0.8٪، بينما تراجع العائد الإجمالي المتحصل من هذه الشقق بشكل هامشي. وقد انخفضت قيمة الإيجارات السكنية بنسبة 5.1٪ على أساس ربع سنوي، وإن كانت لا تزال أعلى بنسبة 3٪ عن القيمة المسجلة قبل ذلك بعام. وانخفضت الإيجارات في سوق الفلل بنسبة 3.1٪ على أساس ربع سنوي. ويتواصل نمو الطاقة الاستيعابية لقطاع العقارات. فقد أضيفت حوالي 1,500 وحدة سكنية خلال الربع الأول، مع توقعات بإضافة 11,700 وحدة جديدة خلال عام 2023 بأكمله. وفيما يتعلق بالمساحات المكتبية، من المتوقع إضافة 500,000 متر مربع في عام 2023، معظمها في مدينة لوسيل ومنطقة الخليج الغربي. وإجمالاً، سجلت الإيجارات المكتبية انخفاضًا طفيفًا. ويُعدُ إنشاء الهيئة العامة لتنظيم القطاع العقاري خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث ستنظم الهيئة العمل في القطاع وتوفر الضمان للمستثمرين والمشترين. ويجب أن تؤدي الهيئة دورًا مهمًا في تحديد الميزة التنافسية لهذا القطاع مقارنة بالأسواق الأخرى، حيث ستوفر بيانات دقيقة ومحدثة عن السوق، وهو ما يساعد على تجنب عدم التوافق بين العرض والطلب. ويتمثل الغرض النهائي من العقارات في توفير المنازل وأماكن العمل، ودعم النمو الاقتصادي المستدام والمجتمعات الصحية المنتجة. ويطرح التحدي المتمثل في مراقبة النمو السكاني ودوره في التنمية الاقتصادية أسئلة أساسية من بينها: من أين سيأتي النمو السكاني (فوق النمو الطبيعي للمواليد)؟ وإذا كان سيأتي من الوافدين القادمين من الخارج، فما الذي سيجذب الناس لزيارة قطر أو العيش فيها؟ وتتمثل نقاط القوة التقليدية لدولة قطر في المناخ الدافئ والاقتصاد القوي والعملة المستقرة والأمن الشخصي المرتفع والاستقرار السياسي وعدم فرض ضريبة على الدخل. ويمكن الآن إضافة المساكن الحديثة عالية الجودة إلى هذه القائمة، وكلها عوامل ضرورية، ولكنها ليست كافية دائمًا. وقد منحت العديد من الدول التي سعت إلى استقطاب أفراد من دول أخرى، مثل كندا وأستراليا، الأولوية للأفراد المهنيين ذوي التعليم العالي، لا سيَّما الشباب في سن الثلاثينيات الذين يعولون أسرًا شابةً. ويميل هؤلاء الأفراد إلى إضافة قيمة إلى الاقتصاد بشكلٍ أكبر من استقطاب عدد أقل من الأثرياء. ومع وجود المهنيين الشباب، يحدث تأثير مضاعف، حيث يعمل هؤلاء الأفراد في الغالب في قطاعات اقتصادية ذات إمكانات نمو قوية، ويعتمدون بشكل قليل نسبيًا على دعم الدولة، ومن المرجح أن يكون أطفالهم متعلمين بشكلٍ جيد، وبالتالي تمتد المساهمات الاقتصادية إلى الأجيال القادمة. وقد نجحت دول أخرى، لا سيَّما تلك التي تتمتع بمناخ دافئ، في جذب الأفراد المتقاعدين الميسورين. ويمكن لدولة قطر أن تجتذب كلتا الفئتين، ولكن يجب أن تكون هناك حوافز كافية. وبالنسبة للمهنيين الشباب، يجب أن تكون هناك فرص وظيفية جذابة وفرص لإنشاء شركات جديدة لرواد الأعمال، فضلاً عن الأنشطة الترفيهية. ومن بين الإحصائيات المشجعة أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في القطاع غير الهيدروكربوني في قطر يتجاوز 4٪، حسب البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، مع سعي الدولة لتوسيع اقتصاد المعرفة. وبالإضافة إلى ذلك، سيرغب المهنيون الشباب الذين لديهم عائلات في تسجيل أبنائهم في أفضل المدارس والجامعات ويتوقعون ذلك. ويجب أن تكون هناك منازل في نطاق متوسط السعر المقبول، وأن تكون هذه المنازل مناسبة للعائلات. وقد كان هناك اتجاه في قطر لبناء مساكن ومشاريع تستهدف الأثرياء. وبالنسبة للمتقاعدين، يجب أن تكون المناطق السكنية مريحة بطبيعتها ويمكن الوصول إليها، بينما يعد توافر خدمات الرعاية الصحية أحد الاعتبارات الرئيسية. وهناك دوافع أخرى للاستثمار في قطر أو الانتقال إليها. وسيكون من غير الحكمة استقطاب الأفراد على أساس الثروة وحدها، نظرًا لخطر إمكانية تشجيع ذلك على غسل الأموال، وانطوائه على مخاطر أمنية. وقد أنهى الاتحاد الأوروبي تطبيق ما يسمى بـ "التأشيرة الذهبية"، على أساس الاستثمار وحده في ضوء هذه المخاوف. ويمكن للهيئات التنظيمية والبنوك الوطنية التأكد من سهولة الحصول على الرهون العقارية للوافدين، وهو ما يشجع على تملك العقارات ويؤدي بالتالي إلى تشجيع المقيمين على تعزيز استثماراتهم في قطر. ويمكن أن تكون تأشيرة المستثمر، التي تغطي عقارًا واحدًا للاستخدام الشخصي أو استثمارات أخرى جذابةً. ويمكن السماح للوافدين الحاصلين على تأشيرة مستثمر والذين يمتلكون عقارًا بالبقاء والعمل دون الحاجة إلى كفالة من أصحاب العمل، وهو ما سيشجعهم على البقاء والاستثمار في الدولة. وينبغي صياغة سياسة واضحة موحدة تشمل جميع الأطراف المعنية وتنفيذها على المستوى الوطني. وتتمتع قطر بالعديد من عوامل الجذب، لكنها تواجه وضعًا تنافسيًا لكل من السياح والقادمين للإقامة لفترة أطول مع الدول المجاورة. وبشكل عام، دعم قطاع العقارات المتنامي والحديث النمو الاقتصادي وشجعه، وجذب المستثمرين والوافدين. ويجب التفكير في تطوير العقارات السكنية بحيث تصبح مجتمعات واعدة، وليست مجرد كتل سكنية، بل عوامل لتسهيل ازدهار الاقتصاد. ويجب أن تتمتع هذه العقارات السكنية بمجموعة من المرافق والموارد، وأن تكون صديقة للبيئة، ومتصلة رقميًا بشكل جيد وترتبط بوسائل النقل العام. وفي هذه البيئة التنافسية، تحتاج قطر إلى استقطاب المهنيين الوافدين ذوي التعليم العالي ممن يتمتعون بقيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع.