27 أكتوبر 2025

تسجيل

اللاكِنيّوُن

26 يونيو 2019

بطبيعة الحال، لا يوجد خطأ في عنوان اليوم، فالعنوان نِسبة إلى بعض طلبتنا الذين يكتبون كلمة (لكن) بهذه الصورة (لاكن)!. وآخر ما قرأت هذه الكلمة بهذه الصورة لطالبٍ في الثانوية العامة!. بصراحة، نحن أمام معضلة كبيرة ولا بدَّ من مواجهتها، لأنها سوف تؤثر على أفرد الجيل القادم. ومع مرور الأيام، سوف تزداد أخطار النفور من اللغة العربية، أو إساءة استخدامها. فالطالب الذي لا يُجيد كتابة (لكن)، كيف وصل إلى الثالث الثانوي؟ وهو أمر غريب، حتى لو كان في التخصص العلمي. قد لا نلوم المدرسَ وحده، إنما هذه ظاهرة مجتمعية، عزَّزتها وسائل التواصل، التي أصبحت مُركّزة على «ماراثون» سرعة النشر، إلا أن الأصل في المشكلة، هو التعليم! وما يُصاحب عملية التعلُّم من نشاطات لا صفيّة! ونلاحظ – هذا الشأن – مجموعة من الملاحظات، من خلال تدريسنا الجامعي: - معظم الطلبة ينفرون من الكتابة، ولا يُحبذون أن تكون أسئلة الامتحانات مقالية. - معظم الطلبة يقرأ - فقط - تلخيصَ التلخيص الذي يقوم به المدرس، وبعضهم لا يفتح الكتاب المُقرر، لذلك، نلاحظ أن الثروة المعلوماتية ضعيفة لدى هؤلاء. - معظم الطلبة لا يقرأ كتباً خارج المنهج، وهذا يُضمِر الدافعية للقراءة، ويحدّ من تطوير عادة الكتابة، لدرجة أن الطالب في المرحلة الجامعية يَستصعبُ كتابة موضوع من 200 كلمة!. - بعض المواد – في المرحلة الجامعية – تتطلب تقديم بحوثٍ أو أوراق، حسب كُلِّ تخصص، فإذا كان المخزون الثقافي والمعلوماتي – لدى الطالب – محدودًا، فإنه لن يستطيع كتابة البحث أو الورقة، وقد يخدع نفسه أولًا، ثم المدرس ثانياً، بشراء بحثٍ من إحدى المكتبات، وبالمناسبة، (يجب أن تقوم الجهات المختصة بمنع بيع البحوث والأوراق العلمية، وتوقيع عقوبة على من يقوم بذلك). - من واقع التجربة الذاتية، في عملية التدريس الجامعي لأكثر من 25 عامًا، وجدنا محدوديةَ الأفكار لدى العديد من الطلبة، ولكأنهم لا يعيشون في هذا المجتمع! فإذا ما طلبَ المدرسُ بحثًا، من ألف كلمة، وهو ليس بحثًا علمياً بالمعنى الصحيح، فإن ( اللاكنيون) * لن يكتبوا أكثر من 300 كلمة، مع تجاهل الإملاء والنحو وعلامات الترقيم، ناهيك عن الهوامش والمراجع. وللأسف، شهدنا أوراقًا منقولة بالكامل من الإنترنت؛ حيث يقوم الطالب فقط بوضع اسم البحث واسمه على الصفحة الأولى!. - وبعض (اللاكنيون) يريدون أن يقوم المدرسُ بعمل الواجب المنوط بهم، بل إن هذا البعض يُريد من المدرس أن يختار لهم الموضوع الذي سيكتبون فيه، وعناصره، وأسلوب التناول، ويقترحُ لهم الصورَ والإحصائيات والمقابلات، وغيرها من الإثباتات الداعمة للبحث أو الورقة! وهذا ناتجٌ عن محدودية الخيال، وضآلة التجربة، وعدم إشغال العقل في التأمل واستنباط الأفكار الجديدة. - ومن الملاحظات التي واجهناها مع (اللاكنيون) أنهم ينسون أو يتناسون الواجبات المطلوبة خلال الفصل الدراسي، بل يأتي يومُ تسليم الأوراق أو العروض التقديمية، وبعضُهم لم يختَر موضوعه! ويطلبُ تأجيله لأسبوع آخر! وهذا ناتج عن محدودية ثقافة الوقت لدى كثيرين، على الرغم من أن توصيف المقرر يتم شرحه من أول أسبوع من الفصل، ويقوم المدرسُ بعرض التكليفات التي يتطلبها المقرر، بل ويقدِّم للطلبة نماذجَ لأوراق سابقة، ويدعو الطلبة للتفكير في مواضيعَ جديدة، بعد أن يشرحَ لهم كيفية كتابة الورقة. - الأزمة تتلخص هنا في عدم القدرة على الكتابة نتيجة محدودية الأفكار الناتجة عن عدم القراءة، وأعتقد بأننا بحاجة لأن تكون هنالك مادة كتابية – كما هو الإنشاء أو التعبير – تُرصد لها درجات، بالإضافة إلى قيام المدرس بتكليف الطالب بنشاطات خارج الفصل، كالزيارات الميدانية، والجلوس في المكتبة، لتلخيص كتاب، مثلاً! - نأتي إلى وقت الفراغ عند ( اللاكنيون)، حيث نجدهم في الأغلب، يتجولون في سياراتهم، أو يتمشون في (المولات). وغالبًا ما يكونون خارج رقابة الأسرة، قدر ما يجلسون مع الأصدقاء. كما أنهم لا يتفاعلون مع المؤسسات التي تُقيم نشاطاتٍ ثقافية واجتماعية، ولا يتعودون على القراءة كنشاط إنساني، في المقام الأول. أعتقد بأن التوجيه السليم لا بد وأن يأتي من الأسرة! وعليها تقديمُ الحوافز، ومتابعةُ الأبناء في عملية القراءة، ولا بأس من تخصيص مكافأةٍ للطالب الذي يقرأ كتابًا ويُلخصه في أسبوعين أو ثلاثة. - أتصورُ أن أحد (اللاكنيون) قد تخَرّج من الجامعة، وتم توظيفه؛ لاعتبارات خاصة، في وظيفة مهّمة! كيف سيقرأ المعاملات؟ وكيف سيكتشف أخطاء الطابع أو الطابعة؟ وكيف سيقرأ الخطاب (الذي يُعدّهُ) غيرهُ في اجتماع محلي أو دولي؟ والأنكى إن تم تعيينُ هذا الشخص في وزارة مهمة!. - كنا، قبل أربعين عاماً، نتحدثُ ونكتبُ عن تطوير التعليم، وحصل ما حصل، ولا نريد هنا عقد مقارنة بين تحصيل جيل الثانوية، قبل أربعين عاماً، وبين تحصيل الجيل الحالي، بطبيعة الحال، سهّلت شبكة الإنترنت وتوابعها أساليب التعلم، كما هي الوسائط الأخرى، لكنها جمّدت عملَ العقل لدى الطالب. إذ بضغطة زِرٍّ، يستطيع الطالبُ الحصول على معلومات أكثر من كافية، لوضع ورقة بحثية، وهذا لم يكن متوفرًا في تعليم الماضي، وكنا نذهب إلى دار الكتب، من أجل استعارة المصادر، وكنا نعود إلى القاموس للتحقق من إملاء الكلمات الإنجليزية! وبذلك تثبت المعلومةُ في الذهن، أما جيل اليوم، فيعتمد أغلبه على ترجمة الكمبيوتر – رغم عدم دقتها – وكثيرًا ما نُصادف أوراقًا على أنها من عمل الطالب، ولكنها، أو 95% منها، عبارة عن قطع ولزق ( Cut and Paste) وهنا مربط الفرس! إن كتابة البحث أو الورقة رهنٌ بعقلية الطالب، ونمط تفكيره، ورؤيته للأمور، أما أن يُلغي (اللاكنيون) عقولَهم وينقلون من الكمبيوتر، هكذا بكل سهولة، فهذا أمر يتناقضُ مع التمنية وحتمياتها، وحُسن بناء الإنسان. - كما أن تعويد الطالب وتشجيعه على القراءة، كنشاط إنساني ووطني في المقام الأول، من الأمور المُهمة في العملية التربوية، ودوماً كُنا نُردِّد بأن (التعليم ليس لفكِّ الأمية الأبجدية، بقدر ما هو إعداد الطالب لمواجهة الأسئلة الصعبة في الحياة!. - ومن الكلمات التي يتم تداولها بواسطة ( اللاكنيون) كلمات مثل: «أيظًن، شُكرن، حتمَن، بالظبط، عبارتن عنه، بين أعضاؤه، نضام، قليلن... إلخ». - الأمر يحتاج إلى وقفة جادة من جهات الاختصاص، من أجل رفع قدرة الطلبة في الكتابة الصحيحة. • وضعنا كلمة (اللاكنيون) بين قوسين، حتى لا يتغيّر موقعها من الإعراب.