14 سبتمبر 2025

تسجيل

مطرقة التسرع في الحكم وسندان التقليد الأعمى

26 يونيو 2012

لاشك أن التقليد يحمل الجانب الحسن والجانب السيئ وفقا للمراد منه أو بالأحرى طبيعة الأمر المراد تقليده ، والتقليد ترجمة لنمط سلوك معين يقع في أسره كثير من الناس، ولن أخوض في الجانب الحسن من التقليد سواء لشحذ الهمم والتحفيز لبلوغ التطوير أو لطرق سلوك مثالي وغيرها كثير، غير أني سأتطرق إلى الجانب السيئ في التقليد ، وحينما تغوص في تحليل هذا السلوك، ستتضح لك أمور كثيرة، لا سيما ما يخص الأسباب المؤدية للتوشح بهذا الأسلوب غير الخلاّق، وينطبق عليه المثل (مع الخيل يا شقرا) وهي كلمة شعبية دارجة تعني التقليد بمعزل عن الوعي ، ولاشك أن تأثير التقليد يمتد ليصيب النسيج الاجتماعي لاسيما في حال الحكم على الآخرين وغالباً ما يتأثرالحكم  في ضوء الكثرة والكثرة لاتعني بالمطلق بلوغ الأمر الصائب بقدر مايكون مجرد إيحاء بعيدا عن القناعة المطلقة تجاه الحكم ، ويسهم التسرع في الحكم على الأشياء بفرز نتائج سلبية ويتضح ذلك جلياً من خلال التعليقات على الأخبار والآراء والمقالات المختلفة، بعد أن توسعت وسائل الإعلام المختلفة في قبول التعليقات المختلفة وأصبح التواصل ميسراَ وهذا بلا ريب شيء طيب، بل إنه يسهم في القياس ويعد نقلة نوعية في رصد المفاهيم وتحديد نوعية التفكير ، ولو تمت إضافة جزئية العمر كأن يذكر العمر على التعليق والتي ليست بالضرورة تكون صحيحة لاسيما وأننا نتحسس من هذه المسألة، فالصغير يرغب في إظهار أنه كبير والعكس بالعكس، وهذه العقدة راسخة في جذور التأسيس ولا يتسع المجال للحديث عنها، وفي إحدى المرات ومن خلال التعليق على موضوع معين في إحدى الوسائل الإعلامية  كانت التعليقات في المرة الأولى للطرح تختلف عنها في ذات الموضوع في وسيلة أخرى في الغد لاختلاف صياغة النص، من هنا فإن التسرع في الحكم على الأشياء ما زال مرتبطاً بالنسق الثقافي، أو بالأحرى الأدبي لأن من كمال الأدب التحري والأناة، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالأشخاص فقد لا يعير المرء اهتماما لهذه الناحية خصوصاً وأنه (لا عارف ولا معروف) ويتعامل مع ثقافة (الكيك) السريعة التحضير وأزرة (الكمبيوتر) غير أن المسؤولية الأدبية هنا تكمن في محاسبة الضمير وسلامة النية، ولا ريب أن التشفي والشماتة نزعة عدائية مؤذية إلا أنها لن تلبث أن تنعكس على الباعث، بضغوط نفسية مقلقة، لأن العبور السيئ لا يستطيع تأمين العواقب من تأنيب للضمير وجلد للذات، وهذه أمور بين العبد وخالقه الذي يعلم ما تخفي الصدور، وقد يعتقد المتسرع في الحكم، بأن رأيه لن يكون له تأثير بيد أنه مخطئ فهذه الخدمة وضعت للقياس، وإذا كان ثمة إضافة فلتكن إلى الخير أقرب منها إلى الشر، وإلى الدعاء أقرب منها إلى التشفي والشماتة، فلربما يقع هو في هذه الدائرة فهل يتوقع أن يجد ما قدم لنفسه من خير ليعود إليه، هنا تكمن بلورة الحس الجمعي بصيغة تألفها القلوب ولا تنفر منها، لتتكاتف المشاعر في بذل الخير أياً كان صفته، حتى عبر الأسلاك الحمراء والصفراء، والآن لم يعد هناك أسلاك لا حمراء ولا صفراء ولا شقراء، قياساً لخلينا التي تستميل ذائقة الكثيرين ليلحقوا بها بل عبر الهواء الذي لايمت إلى الطلاقة بصلة وربما في قادم الأيام يكون البث عبر (الغبار) ، اهتزاز الثقة بالنفس تكمن في من يفهم ولا يريد ذلك، ليس نقصاً في القدرة أو المهارة، بل في نزع ثقته بنفسه بملء إرادته، فهو يسير خلف الأغلبية، لأن أدوات امتلاك القرار ليست بحوزته، بل مؤجرة ولا أدري هل هو إيجار منتهٍ بالتمليك أم لا؟ هذا الصنف ينطبق عليه المثل الوارد بحذافيره لأنه أعار فكره لغيره وفقد قراره وأصبح مجرد شكل شأنه بذلك شأن الآلات والأجهزة ناهيك عن تهميش اعتباره وسلب استقلاله أي (طرمبة) أو (خرنق) كما قالها الفنان المحبوب عادل إمام: إن التحرر من الوصاية يعد حجر الزاوية ولن يتأتى ذلك مالم يتم غرس بناء الشخصية والاعتداد بها منذ الصغر . ومما يُؤسف له أيضاً محاكمة النوايا وفقاً للتسرع في الاستنتاج المفضي إلى تكوين رؤية متعجله ولا تتكئ على معايير منطقية بقدر ما تفرز الاضطراب المؤدي بطبيعة الحال إلى شحن النفوس وإثارة البغضاء. وإذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره فإن التصور يسبق الحكم، إذ تتوافر في هذه الحالة المعطيات المساندة للتصور وعلى ضوء ذلك يكون الحكم، وبالتالي فإن التصور ينبثق من جراء الحيثيات المادية الملموسة، فأنت لا يمكن أن يُقال لك إن المبنى الواقع في المكان الفلاني جميل، وتجيب: يا سلام، كم هذا المكان رائعا وجميلا، وأنت لم تره. ومعضلة الخلط بين الخيال والتصور تقع في كثير من الأمور، وتكمن المعضلة في تهيئة الخيال المضطرب المهزوز بدوافع استباقية سيئة مبنية على سوء الظن لتسهم في صياغة التصور على نحو هشٍّ، وبالتالي فإن التصور سيتشكل في المخيلة (خديج) غير مكتمل النمو؛ لعدم خضوعه للقياسات الموضوعية فضلاً عن عدم تحري الدقة بهذا الخصوص؛ فحينما وصفت المكان بالجميل فإن خيالك أصدر الحكم بأنه جميل لمجرد سماعك الوصف، غير أنك لو زرت المبنى ولم يكن بالصورة التي بناها خيالك طبقاً لما سمعت فإنك ستتراجع، وسيكون الحكم أقرب إلى الدقة كما تراه  بنفسك وليس كما صوَّره لك الآخرون.