14 سبتمبر 2025
تسجيلكالعادة تتصدر قطر المشهد السياسي والإنساني، وهو الدور الذي تجيده تماماً ضمن مسؤولياتها الدولية، والتي عادة ما يتم اختيارها للقيام بها على أكمل وجه، ولكن هذه المرة فإن الدوحة إلى جانب مجهوداتها التي قامت بها في إحلال السلام بين الدول المتنازع ما بينها أو بين الفصائل في الدول نفسها، وآخرها ما قامت به في قطاع غزة من إسهامات جادة وجهود مكثفة لوقف الحرب المسعورة التي قادتها إسرائيل على هذا القطاع المحاصر منذ عام 2007، فخلفت شهداء وجرحى وبيوتاً كثيرة مدمرة على رؤوس ساكنيها، بينما هددت حركة المقاومة الفلسطينية حماس تل أبيب بشكل فعلي، وأجبرت الحكومة والإسرائيليين أنفسهم على اللجوء إلى أقبيتهم تحت الأرض خشية استهدافهم فعلياً من صواريخ حماس التي أثارت رعباً منقطع النظير عبر بعض الطيارين الإسرائيليين والذين كانوا يلقون بصواريخهم على المناطق السكنية في غزة عن شعورهم بالهزيمة النكراء التي لحقت بقلب إسرائيل، ولذا فإنهم كانوا ينفسون عن غضبهم بإلقاء الصواريخ على الأبراج السكنية بصورة عشوائية دون تحديد أهداف معينة، ولذا ورغم الألم والموت الذي لحق بكثير من الشعب الغزاوي، فإن إسرائيل وحين خرجت فكرة اتفاق الهدنة بوقف إطلاق النار بين الجانبين فإنها كانت أول من أعلن عن التزامها بالاتفاق، وأنها سوف تكون أول من يوقف إطلاق النار من جانب واحد حتى دون انتظار موقف حماس من الهدنة لتتصدر حينها اسم قطر كصاحبة هذه المبادرة التي لم تكن الأولى إقليمياً أو حتى على غزة نفسها، التي ساهمت قطر كثيراً في استتباب الهدوء في القطاع بفضل وساطاتها الناجحة والمتمرسة في هذا الشأن ودبلوماسيتها التي لطالما سجلت نجاحات لها شهد بها الجميع من على المنصات الدولية والعالمية الرسمية وغير الرسمية. واليوم تدخل قطر كوسيط نزيه في الخلاف الذي بدأ يطفو على سطح العلاقات المتوترة بين أثيوبيا والسودان بسبب ملء سد النهضة والذي تقوده أديس بابا وتعتبر كل من الخرطوم والقاهرة أن الأولى تبالغ في حقها من مياه النيل مما سوف يؤدي من وجهة نظر الدولتين إلى بخس حقهما المشروع من النيل، وإن إقامة أديس أبابا بملء سدها للمرة الثانية على غير ما اتُفق عليه بين الدول الثلاث يعد انتهاكاً للاتفاقية المبرمة بين الجميع، ولكن في الوقت الذي تتجه القاهرة للحوار المباشر ومحاولات ضبط النفس والاتفاق مع الجانب الأثيوبي على حفظ حقها من المياه المتفرعة على أراضي الدول الثلاث، فإن الخرطوم تبدو أقل صبراً ونفساً وحيلة تجاه ما تصفه بالتعنت الأثيوبي تجاه الالتزام بالاتفاق، بينما تلوح أثيوبيا بأنه لا يوجد ما يمنع دفاعها الذي يمكن للوصول إلى مرتبة الدفاع العسكري الذي يمكن أن تضطر له إذا ما عنت الخرطوم كل تهديداتها الصريحة بشأن سد النهضة، وعليه فقد استثارت هذه الأزمة حفيظة دولة اعتادت أن تطرح وساطاتها الناجحة لحل الخلافات، ولذا فإن الدوحة اليوم تدخل طرفا نزيها لتهدئة الأمور بين الطرف السوداني والأثيوبي ومحاولة التوصل لحلول دبلوماسية وسياسية لإرضاء جميع الأطراف وتخفيف التوتر القائم بين البلدين. والحقيقة فإن مبادرة قطر بحل هذا الخلاف إنما تأتي برضا الطرفين، وهو دور كما أسهبت عنه سابقاً وفي مقالات كثيرة ماضية تتقنه الدوحة على أعلى مستوى، وهو أمر بات معروفاً عن هذه الدولة الخليجية العربية المسلمة التي تحتفظ بعلاقات سياسية عالية المستوى مع معظم دول العالم، وتقيمها وفق الأعراف الدولية المتبعة، وتمسك عصا السياسة من المنتصف بصورة تأمن حظوظ القبول بين الجهات أو الأطراف المتنازعة، مما يجعلها وسيطاً نزيهاً ومقبولاً به لدى الجميع، وهو أمر يحسب للدوحة براعتها فيه، وندعو الله أن تتكلل جهودها بالنجاح الباهر، لأنها تعي أن المنطقة العربية لا تتحمل مزيداً من التوترات التي يمكن أن تتفجر بعدها ما لا يحمد عقباه، وهذه قضية تتفاداها قطر بكل دبلوماسيتها التي من المؤكد أنها ستنجح بإذن الله. @[email protected] @ebtesam777