20 سبتمبر 2025

تسجيل

المجلس المنتخب وذاكرة المكان

26 مايو 2021

يرتبط الإنسان بالمكان نفسياً، بحيث يصبح ذاكرته التاريخية التي تساعده على العيش متأقلماً مع حاضره ومستقبله، بل ومصدر قوته بحكم التاريخ، ونجد في جميع دول العالم ما يسمى بالمناطق التاريخية المكتظة بالسكان وأهل المنطقة. هناك في ذاكرة القطري أماكن كان من المفترض المحافظة عليها بشكلها السابق أو تحسينها بطريقة تحفظ الذاكرة والمكان والتاريخ في توافق. لا شك أن عملية تطوير قلب الدوحة "مشيرب" بالذات عملية كبيرة، وبدأت تستقطب جمهوراً كبيراً من الرواد في المقاهي والمطاعم هنا وهناك، إلا أن القطع الطولي في الوعي الذي أحدثته في وقت سريع وقياسي له تأثير سلبي على ذاكرة حتى مواليد العقود المتأخرة، عملية بناء الوعي تستغرق وقتاً ليس قصيراً تظهر أهمية هذه المناطق والأحياء القديمة كمستودع للذاكرة ولتاريخ الوطن اليوم بشكل أكبر، ونحن على أبواب انتخابات الشورى وتعيين دوائر انتخابية ذات كثافة سكانية محلية فلا نجد سوى أسماء على ورق. أذكر جواب أحد كبار ساكني منطقة "البدع" التاريخية عندما سألته عن انتمائه قال لي بالحرف الواحد "أنا حصاة من حصى البدع"، دليل على شدة الارتباط بالمكان كوعي وكذاكرة. يحتاج المجتمع لكي يتكيف مع هذه المشروعات الإسكانية الجديدة إلى وقت ليس بقصير وإلى أجيال تعيش فيها مدة أطول، وإن كنت أعتقد أن الوعي لن يكون بمثل قوة الوعي السابق الذي نشأ في الفرجان وطبيعتها وتجاورها بل سيكون وعياً تغلب عليه المادية والجفاف، نظراً لطبيعة البنيان القائم ونمط السكن الموجود، شارع "الكهرباء وشارع "مشيرب" في السابق والرميلة وأزقتها، والبدع وحواريه، مناطق كثيرة في الدوحة وضواحيها، كانت مسرحاً لذاكرة مستريحة نسجت ببطء وبتلقائية، لذلك أنشأت أجيالا ومجتمعاً متسامحاً طيباً منطلقاً من بيئة مفتوحة أفقية التعامل وسطية السلوك. كنت أتمنى لو تمت عملية تعميم لتجربة سوق واقف على أكثر من صعيد ومنطقة احتفاظ بشكل المبنى والطراز مع تحديث المعنى والخدمات، وهو ما يجري في عواصم الدول التاريخية الكبرى، وبالتالي لا نحتاج إلى عملية تسليع واسعة من خلال استنبات الجديد وزرعه مع الاحتفاظ بالمسمى، مما قد يسبب شرخاً في الذاكرة بين المبنى والمعنى. علينا أن نعني بأن الإنسان كائن رمزي، كما ذكرت سابقاً يدير حياته كلها من خلال رموز وأي اختلال في هذه الرموز أو الرمزية تصبح اختلالاً في وعيه وفي بنية وجوده، فقناة الريان مثلاً اليوم مسمى لكن الريان كموقع ليس له وجوده التاريخي السابق، بل وأصبح جزءاً من كل متآكل، والريان لم يعد قائماً كمكان، و"البدع" و"الرميلة" و"وادي السيل" أصبحت على ما أعتقد أسماء لطائرات في أسطول القطرية في حين أحضرنا معنى الظواهر مثل "لخويا" و"الفداوية" و"الفزعة"، وهي مسميات لظواهر اجتماعية انتهت مادياً من الواقع، أحضرناها إلى الوجود من خلال إطلاقها على فرق ووحدات عسكرية وأمنية، عملية التنمية على أهميتها إلا أنها يجب ألا تكون أسرع وأشرس من الوعي المصاحب وإلا ستحدث فجوة بين المبنى على الأرض والمعنى في الذهن وبين الظاهرة في الذهن ووجودها في الواقع. [email protected]