16 سبتمبر 2025

تسجيل

صناعة التميز

26 مايو 2016

التميز والتفرد أمران جبلت عليهما النفوس، وكل يسعى لإدراكهما، حسب فهمه ومعياره الشخصي، وهناك من يتأثر بمن حوله فيغدو تابعا مقلدا غيره في طلب التميز طمعا في ثناء الآخرين وكسب إعجابهم واحترامهم. وعندما يضيق حيز التفكير وتختل موازين التقييم، فإن الافراد يبحثون عن التميز والتفرد في توافه الأشياء، ويحصرون التميز في جوانب سطحية شكلية جوفاء يتنافسون عليها، ويتباهون ويتفاخرون بها. وهذه الحالة تسيطر على اذهان نسبة كبيرة من شبابنا، وقد صار منتهى آمالهم ومبلغ رجائهم وغاية أمانيهم ان يعلقوا لوحة رقمية تظهر اعدادا مسلسلة او مكررة، تقام لها مزادات حاشدة وحلبات منافسة وتحد محموم، ويصرفون لذلك أموالا وجهودا واوقاتا طائلة.وليس ثمة شك ان تلك الممارسات وغيرها مما يلهب حماس الشباب ويدفعهم نحو التنافس على الوهم وتحقيق مجد زائف، انما يندرج ضمن مخططات عزل شباب الأمة عن واقعهم واشغالهم في توافه الأمور، وتقديم خدمة بالغة الأهمية يستفيد منها اعداؤنا للاستيلاء على ثرواتنا، واغلاها شبابنا الذين هم الوقود المحرك في كل انجاز نطمح إليه، وهم جهاز مناعة المجتمع والدولة فإذا اختل او اعتل فالعواقب معلومة سلفا. انها ظاهرة وخيمة العواقب، يستغلها بعض أصحاب رؤوس الأموال والمآرب، في تجارة رائجة سريعة المكاسب، يجنون خلالها ارباحا عالية، بينما يتساقط المفتونون بتلك الصرعات في شباك المتلاعبين بعقولهم وأموالهم، وكم تهدر من اوقات واموال وتعطل مصالح وتحشر جماهير تشارك في مزادات تسبقها حملات اعلان ودعاية مكثفة، لمجرد فوز احدهم بشراء صفيحة ارقام يخرج صاحبها منتشيا، يختال في مشيته بعد ان دفع مبلغا يصل إلى مليون ريال أو أكثر ويظن بذلك أنه بطل عالمي!!.اي جنون واي هوس هذا الذي يسطح عقول شبابنا ويعطل قدراتهم ويستولي على افكارهم وإلى متى، واين تلك الاوقات والاموال والطاقات من تنمية قدرات شبابنا واستثمار عقولهم وسواعدهم في ميادين العلم والعمل وبناء المصانع والمعامل التي تجعلنا دولة صناعية وزراعية متقدمة، وكيف يقبل شبابنا على انفسهم تلك التصرفات وتبذير الاموال الطائلة ونحن نرى ونسمع ما يحل بإخواننا في العراق والشام وغيرهما من مآس وظلم وقتل وتجويع؟! فإن كانت لديهم وفرة من مال فليسارعوا إلى إغاثة اخوانهم الذين هم في أمس الحاجة إلى الغذاء والكساء والمأوى.وعلى شباب البلاد ان يدركوا بأن تحقيق التميز والنجاح الحقيقي يكمن في علو الهمة بالتزود بالعلم وتحقيق الانجازات الفعلية، وتوظيف الاموال والاوقات في نصرة قضايا امتنا والترفع عن الصغائر، والوقوف بحزم ضد محاولات الأعداء المتربصين بنا والذين يسعون بكل الوسائل لاضعاف شبابنا وصرفهم عن واجبهم الشرعي والاجتماعي. ولاة الامر وصناع القرار مسؤولون عن ايقاف تلك المفسدة الكبرى، وردع بائعي الوهم، وتصحيح مفهوم التميز والتفوق لدى شباب الوطن، وحماية عقولهم من المؤثرات الضارة والعوامل الهدامة. * قال الله تعالى: (وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) الإسراء / آية 16.* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها) أي الحقير الرديء منها.