03 نوفمبر 2025

تسجيل

في التطبيع مع العدو الصهيوني

26 أبريل 2012

الزوبعة التي أثيرت احتجاجاً على زيارة مفتي الديار المصرية علي جمعة إلى المسجد الأقصى هي على حق، وكان من الواجب أن تقوم بأضعاف مما هي عليه! فالزائر هذه المرّة هو مرجع ديني في أكبر دولة عربية. بما يعنيه ذلك من فتاوى غير مباشرة تتيح لجميع الناس السير على نهجه. مع العلم أن الزيارة جاءت بموافقة السلطات الإسرائيلية وبإشراف مباشر من جنودها. هذه الزيارة تذّكرنا بموقف شيخ الأزهر إبّان الحقبة الساداتية عندما أفتى للسادات أيامها بجواز زيارته للقدس المحتلة، ومن ثم فتواه بتحليل معاهدة كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل.هذه الزيارة تذّكرنا أيضاً بالفتوى التي كان البابا الراحل شنودة قد أصدرها والتي تحرّم على الأقباط الزيارة والحج إلى القدس طالما بقيت محتلة. الزيارة التي قام بها مفتي مصر إلى القدس المحتلة تأتي في الوقت الذي تنادي فيه الدولة الصهيونية بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل ولليهود في أنحاء العالم قاطبة، وفي الوقت الذي تزرع فيه القدس وجوارها بالمستوطنات. وفي محاولات تهويد القدس،ومحاولة تهديم المسجد الأقصى من خلال الحفريات الكثيرة التي تتم تحته، بهدف تزويري من حيث: وجود هيكل سليمان ومن أجل بناء هيكل جديد (وكأنهم يريدون إلصاق القدس عنوة بالتاريخ اليهودي). الزيارة من المرجع الديني العربي المصري هي باختصار: اعتراف ضمني بما تدّعيه إسرائيل من أضاليل وأساطير حول المدنية المقدسة. كان حَريّا بالشيخ علي جمعة ألا يقوم بهذه الزيارة الآثمة، في الوقت الذي تمنع فيه قوات الاحتلال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري من دخوله. وفي تصريح للأخير كشف الشيخ صبري أن زيارة المفتي للمسجد كانت تتم في الوقت الذي يقوم فيه الجنود الإسرائيليون بتدنيس ساحات الأقصى، واستطرد الشيخ صبري متهماً الشيخ جمعة "بالكذب على العرب والمسلمين" فهو كان قد أدّعى في تصريح له بأن الزيارة تتم بعيداً عن موافقة سلطات الاحتلال (وكأنه هبط عليها من السماء) وأنه لم ير أيا من الجنود الصهاينة.للعلم (ومثلما ذكر الشيخ صبري في حديث له) فإن قادة السلطة الفلسطينية لا يستطيعون زيارة القدس ولا الأقصى إلا بإذن من سلطات الاحتلال الصهيوني. لقد أخطأت السلطة الفلسطينية وخاصة الرئيس محمود عباس عندما دعا العرب والمسلمين إلى زيارة المناطق الفلسطينية والقدس وهما تحت الاحتلال. فالزيارات تتم من خلال الحصول على سمات للدخول من السفارات الإسرائيلية في مختلف دول العالم، وهذه قضية تصب في قناة التطبيع وجوهره مع العدو الصهيوني. إن من أكبر الأهداف الإسرائيلية منذ إقامة هذه الدولة في عام 1948 وحتى اللحظة، هو الحصول على اعتراف جماهيري وشعبي عربي بإسرائيل كدولة من دول المنطقة، والدخول إلى النسيج الاجتماعي للأمة العربية والقيام بمختلف أشكال التطبيع معها. لم يكن الهدف لإسرائيل الاعتراف الرسمي العربي بها فقط، وإنما الأهم هو الاعتراف الشعبي الجماهيري بها، ولذلك حاولت إسرائيل وبكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات. التطبيع مع الشعب المصري بعد معاهدة كمب ديفيد، ولكن لوعي الجماهير الشعبية المصرية وأحزابها ونقاباتها ومؤسساتها ومنظماتها غير الحكومية تمكنت من إفشال المخططات الإسرائيلية، يدخل في باب التطبيع: السماح لإسرائيل بإقامة مؤسسات تصنيعية ومكاتب تمثيلية وغيرها من الأشكال على أي بقعة في الأرض العربية، وكذلك استضافة إسرائيليين في الفضائيات العربية، وكل تلك الأشكال من التبادل بمختلف الأسماء والمسميات، أيا كان شكلها : من زيارات لإسرائيل أو العكس بالعكس. لقد استغلت إسرائيل كل الاتفاقيات الموقعة مع دول عربية معها، سواء أكان ذلك في وجود سفارات لها أو أي مكاتب تمثيلية لها في العواصم العربية أبشع استغلال. إذ جعلت منها أوكاراً للموساد، ومجالاً للتآمر على البلدان العربية حتى تلك التي وقعت اتفاقيات وتبادلت السفراء معها. فحاولت ولا تزال التجسس على مصر، وهرّبت إلى أسواقها المخدرات، وصدّرت إليها آفة القطن في محاولة لتخريب المنتج الاقتصادي المصري الأول، ولعبت دوراً قذراً في تخريب وحدة النسيج الاجتماعي لشعوب هذه الدول، باللعب على القضايا الخلافية الطائفية والمذهبية والإثنية. وقام "الموساد" بمحاولة اغتيال المناضل الفلسطيني خالد مشعل في قلب العاصمة عمّان، وأسهم في اغتيال العلماء والكفاءات العراقية بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي. لقد هدّد الفاشي ليبرمان وزير الخارجية الصهيوني. بقصف السد العالي وإغراق مصر. لقد تآمرت إسرائيل مع بعض الدول الإفريقية التي ينبع من أراضيها نهر النيل. لحرمان مصر والسودان من حصتيهما في مياهه، رغم الاتفاقية الدولية الموقعة بهذا الشأن. إسرائيل تآمرت مع هذه الدول ببناء سدود على أراضيها لتقليل مياه النهر. إسرائيل تحالفت مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان. وهي تآمرت من أجل انفصال الجنوب عن الوطن الأم، ولذلك فإن من الصحة بمكان إطلاق اسم"إسرائيل الثانية" على جمهورية جنوب السودان، وهي التي قامت باغتيال القادة الفلسطينيين في كل من لبنان وتونس والإمارات العربية المتحدة، هذا إلى جانب حروبها العدوانية ضد الدول العربية ولعل من أبرزها: الحروب المعروفة منذ نشأتها. ونخص بالذكر تحالفها مع بريطانيا وفرنسا في العدوان على مصر في عام 1956، بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس. هذا غيض من فيض الاعتداءات الصهيونية وتآمرها على الدول العربية. تأتي زيارة مفتي الديار المصرية في زمن الربيع العربي، ولعل من أهم دوله مصر والحراك الجماهيري الشعبي العربي المصري. إن من أهم الشعارات التي رفعتها جماهير مصر هو: إلغاء معاهدة كمب ديفيد، وقطع العلاقات بكافة أشكالها مع إسرائيل والامتناع عن تزويدها بالنفط والغاز المصري،اللذين يباعان إليها بأسعار تفضيلية ( مؤخرا صدر قرار بإلغاء اتفاقية الغاز ). من أجل هذه الشعارات التحررية من العلاقة مع إسرائيل قام الشعب المصري بمحاصرة السفارة الإسرائيلية في القاهرة واقتحامها وتدمير محتوياتها. هذه هي روحية الجماهير المصرية تجاه العدو الصهيوني. فرغم مرور ما يزيد على الثلاثة عقود على اتفاقية كمب ديفيد ووادي عربة، لم تنجح إسرائيل في خطواتها التطبيعية مع العالم العربي، إذ بقيت الأمة العربية حذرة كل الحذر في التطبيع مع إسرائيل. صحيح أن بعض الاختراقات الإسرائيلية نجحت بهذه الطريقة أو تلك وبخاصة في تصدير المنتجات الإسرائيلية إلى أسواق الدول العربية. لكن ذلك تقوم به للأسف أقلية لا هم لها سوى خدمة مصالحها على حساب كل الأمة وضد مصلحة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. التطبيع هو مفتاح لقبول إسرائيل في المنطقة. وهو أيضاً اعتراف بالأضاليل التاريخية والجغرافية التي تروجها الصهيونية عن فلسطين. وتطرحها حالياً بالنسبة ليهودية دولة إسرائيل. لكل ذلك فإن التطبيع وبلا ثمن هو ما تريده إسرائيل.