18 سبتمبر 2025
تسجيلقضى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وقتا طويلا وهم يتنقلون بين الرياض وأبو ظبي لإيجاد مخرج للأزمة اليمنية الراهنة، اجتماعات تلو اجتماعات ومبادرات حمالة أوجه، كانت الأولى أكثر وضوحا والتي تنص على تنازل الرئيس عبد الله صالح لنائبه والرحيل عن السلطة، لكنهم فيما بعد أصدروا مبادرة تناقض الأولى، ولعلي أقول إن آخر مبادرة لهم من أبو ظبي أكثر وضوحا لكنها الأكثر إجحافا بحقوق الشعب اليمني وأكثر كرما مع رئيس فقد شرعيته بعد خروج الشعب في كل أرجاء اليمن عن طاعته وسحبوا منه الشرعية التي منحوها له عام 2006 وأمام العالم كله وليس عبر صناديق انتخابات اتصفت بالتزوير. (2) تنص المبادرة الأخيرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تتكون من 50 % من أعضاء الحزب الحاكم + 40 % من أحزاب المعارضة +10 من ممثلي ساحات التغيير في كل أرجاء اليمن. يعقبها إصدار عفو عام عن كل الذين ارتكبوا جرائم قتل ضد المتظاهرين في ساحات التغيير بموجب أوامر رئاسية، وكذلك تقديم ضمانات وافية بعدم مساءلة الرئيس وحاشيته ومساعديه وعدم ملاحقتهم قضائيا أو ثأرا عما فعل خلال مدة حكمه، بعدها يقدم الرئيس استقالته إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يوما، ثم تجرى انتخابات رئاسية خلال ستين يوما. يقيني أن ما يدور في عقول وزراء خارجية مجلس التعاون هو كيف يوفقون بين مصالح جماعة ارتبطت بالرئيس علي عبد الله والمحافظة على كرامة الرئيس بألا يخضع للمساءلة عما فعل بالشعب وما فعل بالمال العام، الكاتب لا يشكك في القدرات السياسية لوزراء الخارجية ولا يشكك في عبقرية الأمين العام السياسية الدكتور الزياني إلا أنني أجزم بأن مبادرتهم هذه لم تنل الوقت الكافي من النقاش فكل الوزراء منشغلون بمهام خاصة وعامة وعلى ذلك جاءت مبادرتهم آنفة الذكر مختلة التوازن السياسي، إذ كيف يتم التوفيق بين مطالب الشعب عامة برحيل الرئيس ونظام حكمه وهتافاتهم تقول " الشعب يريد إسقاط النظام " واقتراح المبادرة أن يعطى الحزب الحاكم 50 % من قوة السلطة التنفيذية، بمعنى آخر إذا تشبث هؤلاء بتولي المناصب السيادية وقيادات المحافظات اليمنية والأمنية، ورفضت القوى السياسية في ميادين التغيير المعارضة ذلك المقترح فما هو الحل؟ وكيف تجيز المبادرة أن يكون لممثلي الشعب الذين ضحوا بمصالحهم وسالت دماؤهم بفعل قوى الأمن لأكثر من شهرين بمنحهم 10 % من الوزارة المقترح تشكيلها، وكيف يؤدون اليمين الدستورية أمام رئيس انتهت صلاحيته دستوريا؟ والسؤال أما تعلّم مجلس التعاون من مبادرات الأمر الواقع التي فرضها نظام مبارك المخلوع على الفلسطينيين بشأن غزة وما زال الأمر معلقا حتى هذه اللحظة؟ كنت أتوقع أن تكون الصورة مقلوبة، كان المفروض أن تنص المبادرة على تنحي الرئيس عن صلاحياته لهيئة تتكون من (العلماء + الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة + ممثلي شباب ساحات التغيير + شيوخ القبائل + المنشقين عن الحزب الحاكم) وكل جهة من هذه الجهات تختار ممثلا عنها في هذه الهيئة لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر نظرا لظروف اليمن، وليس للرئيس حق الاعتراض على أي منهم، على أن تقوم هذه الهيئة بالإعداد لانتخابات برلمانية خلال ستة أشهر أيضا تعقبها انتخابات رئاسية. إن المبادرة الخليجية آنفة الذكر ستقود إلى حرب أهلية لا جدال في ذلك تتحمل المملكة السعودية وعمان نتائجها، إن عبد الله صالح لن يرحل بموجب هذه المبادرات، وإن أحد نصوصها يقول: يقدم الرئيس استقالته إلى مجلس النواب الحالي وحتما سترفض لأن الغالبية من الأعضاء يسيرون في فلك الرئيس وهنا تحدث الكارثة التي لا فرار منها، نعلم أن الخليجيين يتخوفون من انهيار الأمن إذا غاب عبد الله صالح، ونحن نؤكد أن الأمن منهار في ظل سلطته وهو المحرض على اضطراب الأمن وبث الرعب في قلوب حكام الخليج من تنظيم القاعدة، ويقيني بأن هذا التنظيم سيختفي باختفاء عبد الله صالح، في عهده قامت أكثر من خمسة عشر حربا مسلحة، وفي عهده تعرض الأمن في الجنوب لمخاطر السعوديون أعلم بها، معلوم أن الفقر والمرض والأمية تنهش اليمنيين وثروات الرئيس وأفراد أسرته والمحسوبين عليه تتعاظم وسيكشف التاريخ ما نقول، اليمن عنده مصادر ثروة متعددة لو كان به حكومة رشيدة ليس فيها فساد ولا مفسدين لأصبحت اليمن أغنى من كثير من الدول الخليجية المنتجة للبترول. آخر القول: الجيش اليمني مطالب بالحياد التام كما فعل جيش مصر وجيش تونس والضغط على الرئيس للرحيل عن السلطة دون تأخير، ومشايخ القبائل يجب أن يتخلوا عن الرشاة والمفسدين من أجل مستقبل أبناهم ووطنهم، وشرفاء الحزب الحاكم يجب ألا يربطوا مصالحهم ببقاء الرئيس في سدة الحكم.. اليمن حافظوا عليه قبل فوات الأوان.