17 سبتمبر 2025

تسجيل

التوتر الباكستاني ـ الأفغاني.. المخاطر والآفاق

26 مارس 2024

بدأت حكاية التصعيد بين باكستان وأفغانستان في السادس عشر من مارس/ آذار حين نفذت مجموعة تابعة لحركة طالبان الباكستانية - رجح المسؤولون الباكستانيون تبعيتها للقائد جل بهادور المقيم بحماية طالبان أفغانستان - عملية انتحارية أسفرت عن مقتل سبعة من الجنود الباكستانيين في مناطق شمال وزيرستان القبلية المتاخمة لأفغانستان، وقد سبق هذا عدة عمليات انتحارية في نفس المنطقة، التي حملت فيها باكستان نفس الجماعة المسؤولية، وكرد مباشر على هذه العملية قامت طائرات تابعة للجيش الباكستاني لأول مرة بقصف ما قالت إنه معاقل للجماعة في مناطق خوست وبكتيكا شرقي أفغانستان والمتاخمتين للأراضي الباكستانية، وهو ما أسفر عن مقتل مدنيين بحسب الرواية الأفغانية، بينما أصرت إسلام آباد على أن الضحايا أتباع من الجماعة المنفذة. وزارة الدفاع الأفغانية حذرت في بيانها بعد أن ارتدى وزيرها محمد يعقوب نجل مؤسس حركة طالبان الملا محمد عمر البزّة العسكرية من مغبة هذه الاعتداءات وتعهد البيان بالدفاع عن الأراضي الأفغانية بكل السبل والطرق، كما حذر من عواقب التصعيد الباكستاني، وعلى الفور ردت طالبان بقصف مدفعي وصاروخي لنقاط عسكرية وأمنية باكستانية، وكان لافتاً إشارة البيان الأفغاني إلى خط ديوراند الحدودي بين الطرفين على أنه خط مصطنع، ومعلوم أن شرعية انضمام مناطق بشتونية لباكستان قد انتهت صلاحيتها وفقاً للاتفاق بين البريطانيين والحكومة الأفغانية قبل أكثر من عقدين، ولا تزال الحكومات الأفغانية المتعاقبة منذ عام 1993 وهو موعد نهاية صلاحية الاتفاقية الحدودية، ترفض الاعتراف الرسمي بالحدود الحالية، مما يضع ضغوطات وجودية على الحكومة الباكستانية. الجدير ذكره أنه منذ سيطرة طالبان على السلطة، سعت مجموعات طالبانية باكستانية مختلفة ومتباينة، سبق أن شاركت في القتال ضد قوات التحالف الدولي، للتنسيق والتجمع فيما بينها، وتردد عن اجتماعات لأكثر من 47 مجموعة طالبانية باكستانية بهدف التوحد، وقد سعت طالبان أفغانستان إلى التوسط غير مرة بين طالبان باكستان والحكومة الباكستانية من أجل المصالحة بينهما، ولكن لكل طرف شروطاً قاسية، مما تسبب في حالة انهيار المحادثات، مما أسفر ذلك عن مطالبة باكستان الحكومة الأفغانية بضرورة كبح جماح هذه الجماعات من القيام بأعمال ضدها. وكعادة الدول المتجاورة في العالم تشوب علاقاتها مع بعضها مرارات وحزازات وخلافات ونزاعات، ولعل المرارات التي شكلها تحالف باكستان مع الولايات المتحدة الأمريكية في خلع طالبان عن السلطة عام 2001 ستظل تلقي بظلالها على علاقات البلدين لفترة ليست قصيرة، فقد انقلب يومها الرئيس الراحل برفيز مشرف على حلفائه الأفغان، وفتح خزائن معلوماته الاستخباراتية للحليف الأمريكي الجديد، ليأمن بذلك غضبه عليه، لاسيما بعد أن تردد عن تهديد نائب وزير الخارجية الأمريكي يومها ريتشارد أرميتاج بإعادة باكستان إلى العصر الحجري في حال لم تعمل معهم على إسقاط طالبان، وهو ما فعلته باكستان، حيث قامت بطرد السفير الأفغاني عبد السلام ضعيف من أراضيها، وسلمته مع قادة كبار للحركة إلى الولايات المتحدة، والذين تم نقلهم إلى سجن غوانتانامو، وتوسعت باكستان في هذه السياسة فعمدت إلى تسليم قيادات أفغانية طالبانية إلى الحكومة في كابول، والذي كان من بينهم مولوي عبد الغني برادر الذي قاد المفاوضات مع الأمريكان لاحقاً. مثل هذه المرارات يبدو أنها ستظل تلقي بتداعياتها على العلاقات بين البلدين، وهي بحاجة إلى سياسيين حكماء من أجل التعالي على هذه الجراح، كي لا يذهب البلدان ضحية القوى الدولية والمنطقوية المتربصة بهما.