11 سبتمبر 2025
تسجيللم يعرف سوق مدينة تراثية مباغتة دون سابق إنذار كتلك التي شهدها سوق الوكرة القديم فقد فرض على السوق نظام مواقف مدفوعة الأجر. ولا بأس في ذلك نظير خدمات أو نظام (فاليه) إن وجد، ولكن هذا ليس على إطلاقه - قلّ رسم الدفع أو كثر- بل مثل غيره وفقا لنظام ولآليات مهنيّة وقانونيّة محدّده. ولا نظن بأن الرؤية الأميرية السديدة التي أحيت هذه المدينة العتيقة علمت أو تعلم عن رسوم مستجدّة تخالف ثلاثا، الدستور والقانون القطري، أنظمة التخطيط والحق الاجتماعي المدني وقوانين التجارة. الدستور القطري ينصّ في المادة (43) منه على أن (الضرائب أساسها العدالة الاجتماعية) والقانون ينصّ على أنّه (لا ضريبة ولا رسم إلا بقانون). أمّا في سوق الوكرة القديم فقد فّرض رسم لشركات لتدير مواقف السوق دون قانون أو حتّى قرار أو إخطار مسبق سواء لأصحاب المتاجر أو السكّان هذا والسوق مدينة بساحلها الممتد خلف البيوت التراثية المرممّة وليست في أصلها سوقا تجاريا منفردا مثل سوق واقف «الدكاكين».. ورغم ذلك ليتها عوملت مثل مواقف واقف !! ستسألون كيف؟ منذ مهرجان الربيع بل ومنذ دخول السيرك العالمي ديسمبر الماضي وضعت حواجز عازلة على كل مداخل المنطقة الساحلية للسوق والميناء فأغلقت وفرض على الجميع الذهاب إلى دوار مسيعيد جنوبا عند الرغبة في دخول كلّ المدينة التراثيّة - أي السوق- وذلك عبر مدخل واحد رئيس لمواقف كبيرة المساحة يتم تحصيل الرسوم عليها على كل دخول وخروج حتى الآنيّ ليس على مرتادي السوق من الزائرين فحسب بل وحتى على من يوصل أهله أو يستلم أو يحمّل ما اشتراه. آليات التخطيط المدني والحق الاجتماعي خالف فرض الرسوم الآليات المتّبعة في التخطيط المدني نظرا لتحويل كل المواقف الموجودة إلى مواقف مدفوعة وعدم تخصيص شوارع رئيسة للإنزال والتحميل المباشر ناهيك عن شارع واحد كما هو معمول به في كل أسواق قطر والعالم الذي يسمى Drop in -Drop off ونموذج سوق واقف خير مثال. ولم تخصص للسوق وساحل الميناء مداخل متعدّدة. كما تمّ حرمان ذوي الإعاقة وكبار السنّ والمقعدين من حقوقهم وامتيازهم في المواقف المحاطة بالحواجز وعوملوا مع الآخرين بالجملة. الرسوم عرقلت حركة المدينة وحُرم مرتادو السوق منه بل وحرم أصحاب المتاجر من خاصيّة تشجع السيّاح على زيارته خصوصا وأنه يعاني ضعف الزائرين عموما وزائري القوة الشرائية خصوصا. ولم يقتصر ضرر الرسوم على السيّاح بل عمّ أصحاب البيوت المجاورة للمواقف، فسدّت مداخل بيوتهم نظرا لازدحام السيّارات أمامها ولجوء كثير من الجاليات للوقوف حولها تفاديا للدفع ممّا فرض عليهم ازدحاما جديدا بل والتحوّل للانعطاف حول الشوارع الفرعية ليجدوا مدخلا أو مخرجا لبيوتهم بشكل يومي. وأُخِذ الساحل المقابل للمدينة التراثية بجريرة السوق وعومل بالرسوم والحواجز حين إن السواحل العامّة حقوق عامّة تمنع القوانين احتكارها حتّى في الدول الغربيّة. قوانين التجارة لم تفلح التجارة في جذب المستثمرين ورفع قيمة التسّوق في سوق الوكرة القديم بل ساهمت في قطع أرجل السيّاح عنه والتعسيرعلى أصحاب المحلاّت نظرا لكثرة الشروط والرسوم فعجزت من أن تحافظ على الموجود فيه فزادت الإغلاقات جرّاء الكساد. أي ضريبة يجب أن تتناسب طرديا مع تحسين الخدمات، ولكنّ الواقع خلاف ذلك فلم يوفّر السوق سيّارات غولف على مدار الساعة لتوصيل الزائرين من كبار السن أو ذوي الحاجات، مع عدم وجودهها في الضحى والظهيرة وهي أشد الفترات حرارة وتعامدا للشمس في منطقة مكشوفة. كما عجزت التجارة عن أن تسنّ القوانين التي تتّفق مع طبيعة بيئتنا الحارّة وتنعش السوق مثل السماح بوضع عوازل بلاستيكية مع التكييف لتبريد الجلسات الخارجية للمقاهي على السيف والتي لا زالت ممنوعة. ناهيك عن الحقوق الخاصّة ل (دكة الأسماك) وحرمان (الجبرة) من حقّها الأصيل في ضرورة وجود منفذ حيويّ دون رسوم مما أدّى إلى كساد الصيد وإفلاس البائعين. والملفت للانتباه هو أن التجارة لم تقف في صفّ أصحاب المحلاّت الذين يجب أن يعفوا من الرسوم بتخصيص مواقف خاصّة لمحلاتهم خصوصا في ظل موسميّة التجارة في مدينة ساحليّة كاملة حوّلت بحواريها وسكيكاتها إلى سوق وليست بتخطيطها أسواقا بدكاكين متراصّة مثل (واقف) تلك المحفّزة للأنشطة التجارية وعوائدها، هذا وقد خاض صغار المستثمرين تجربتها وبذلوا فيها حصاد عمرهم في خسارة وديون متراكمة ترتجى من الدولة الإنعاش لا التضييق. وأخيراً إذا كان القانون ينص على أنه لا ضريبة إلا بقانون، فإنّ الغريب أنّ رسوم أو ضريبة المواقف طبقت منذ الوقت المذكور أعلاه دون أي تعميم أو قرار أو إعلان أو إخطار، ولم يرد لاحقا أي شيء إلا رسالة نصيّة عبر الهاتف لأصحاب المحلّات يوم 12 مارس 2024 بعد ثلاثة أشهر من التطبيق. فهل يسمح القانون أن تسبق الرسائل النصية القانون؟ وهل أحدث البعض في الدولة قانونا يشرّع الإتاوات دون قانون؟