14 أكتوبر 2025
تسجيلدعيتُ إلى دورة في "تحرير وصياغة الأخبار للأطفال" تنظّمها وكالة الأنباء القطرية، واعتبرتُ هذه الدورة حتى قبل بدئها تكتسب أهمية خاصة لأمور كثيرة، وتثير أسئلة متعددة بحكم حداثة الخبرة والتجربة في هذا الجانب ومن أهمها: ـ تطوير القدرات المعرفية والعملية للمشتغلين بالأطفال عموما والمهتمين بإعلام وصحافة الطفل، خصوصا في الجانب الإخباري، ومن نافلة القول أن العاملين في هذا المجال قليلون، فما بالك بالمدربين وورش التدريب الخاصة بهذا الجانب. ـ الاهتمام بالجانب الإخباري لصالح الطفل في وسائل الإعلام الموجهة إليه نادرة جدا، إذ يغلب على المجلات والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية الطابع القصصي والترفيهي والمنوّع والبرامجي، ونادرا ما ترى نشرة إخبارية أو برنامجا إخباريا خاصا به. وللتنويه والتأكيد، فالجانب الإخباري لا يعني بالضرورة الجانب السياسي، بل هناك الأخبار العلمية والتقنية والرياضية والترفيهية التي تستهوي الأطفال والناشئة وتحظى بمتابعتهم. ـ معروف أن التحرير الصحافي في كليات ومعاهد الإعلام يدرس تقنيات كتابة الخبر والتقرير الصحفي وفق قوالب معينة متعددة، لعل أشهرها وأكثرها استخداما هو نموذج الهرم المقلوب، والسؤال: هل اللغة الإخبارية وطريقة صياغتها التي تتسم بالصرامة، مناسبة تماما للصغار كما عند الكبار، أم يفترض أن تكون هناك اجتهادات معينة لإضافة أو تعديل بعض الأمور على قواعد هذه القوالب، أو ابتكار قوالب جديدة أكثر ملاءمة لهم. وهل من الأنسب اعتماد أسلوب القصص الإخبارية مثلا بدلا من التقارير الاخبارية وفق الهرم المقلوب أو المتدرج، لأنها الأكثر جذبا وتشويقا للصغار فضلا عن الكبار، نظرا لقربها من أجواء القصة الأدبية. ثم هل هناك بعض القواعد الإضافية عما يمكن فعله وعدم فعله بخصوص تحرير الخبر، لاسيَّما إذا علمنا أن الأطفال شريحة واسعة من حيث العمر، وتختلف في مداركها المعرفية وقاموسها اللغوي ومدى حجم وعيها ومستوياته. ـ عند الحديث عن الكتابة وتحرير المواد الخبرية وغيرها في وسائل الإعلام الخاصة بالأطفال، فهناك من يتحدث عن حصر الكتابة بالكبار كما هو الحال في أغلب المجلات والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، وهناك من يرى حصرها في الصغار فقط باعتبار أنهم الأقدر على مخاطبة أقرانهم، كما يحصل في المجلات الحائطية المدرسية والأنشطة المشابهة لها، وهناك من يرى الجمع بين الأمرين معا، أي استمرار كتابة الكبار للصغار، وقيامهم بالإشراف والمتابعة، مع إفساح مجال معقول للصغار والناشئة للكتابة والتفاعل والمشاركة في بعض المهام، خصوصا أصحاب المواهب والرغبة منهم، ولعلني بحكم الاهتمام والممارسة أميل للخيار الأخير لأنه الأنسب عمليا، لأسباب كثيرة منها: أهمية إفادة الصغار من خبرة الكبار، وعدم قدرة الصغار على التفرغ ومتابعة بعض المهام اليومية بصفة منتظمة، ورغبة في يكون إشراك الأطفال فعليا وليس نوعا من " البرستيج" فقط. وعليه فإننا نقترح أن تكون هناك دورات تأهيلية للأطفال والناشئة في مجال التحرير الصحافي والمهارات الإعلامية الأخرى أيضا، تناسب أعمارهم بدءا من القسم الثاني للمرحلة الابتدائية، وحتى المرحلة الثانوية، والفائدة المتحصلة هي تنمية المواهب الإعلامية لأصحاب القدرات منهم، نظريا، ثم إفساح المجال أمامهم للانخراط في وسائل الإعلام الموجهة للطفل لأخذ الخبرة التي تؤهلهم ليكونوا إعلاميين ناجحين مستقبلا، وبذلك تتحقق الاستدامة في تنمية المواهب الإعلامية للأطفال والناشئة بأرقى صورها. ومثل هذه الدورات تكتسب مزيدا من الأهمية مع اتساع نطاق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا من قبل الناشئة، وهو ما سيسهم في ترشيد أفضل لاستخدامها، واستثمار التعاطي معها في تطوير الكتابة لديهم عموما، والقدرات التحريرية خصوصا. ـ كثير من المواد الإخبارية التي تذاع في قنوات الأطفال أو تعرض على المواقع الموجهة إليهم تعاني من إشكالات كثيرة، منها أنها لا تكون مثار اهتمام الطفل أو جاذبة له، أو غير مناسبة لعمره، أو تحتوي معلومات خاطئة أو مبالغ فيها، على مستوى المضمون، وضعيفة على مستوى التحرير الصحافي، وبعضها تحتوي على أخطاء نحوية وإملائية وطباعية.. وإذا كانت مثل هذه الأخطاء مزعجة عند الكبار، فإنها ذات تأثير خطير لدى الصغار.تحرير النصوص الإخبارية للأطفال، أمر لم يأخذ حتى الآن حقه من التأمل والتفكير والإنضاج، وهو ما يحتاج إلى ورش عمل ولقاءات وأبحاث بوجود إعلاميين متمرسين، بينهم من هم على تماسٍ بإعلام وصحافة الطفل، وتربويون ومختصون بعلم النفس.. والمطلوب هو الخروج بأفضل الأساليب التحريرية الخبرية التي تناسب الطفل، وتكون جاذبة له، سواء بالتعديل على القوالب التحريرية المعروفة، أو ابتكار نموذج أو نماذج جديدة تجمع بين الصياغة الخبرية والتشويق الذي يشد الطفل، ويناسب وعيه وإدراكه، بطريقة سهلة وسلسلة.