16 سبتمبر 2025
تسجيلتسعى جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية إلى تطوير وتحديث تشريعاتها وقوانينها الاقتصادية الاستثمارية وتبسيط إجراءاتها وتحسين مناخ الاستثمار بها، كي تتمكن من جذب أكبر عدد ممكن من المستثمرين الأجانب وذلك بغض النظر عن مدى تقدمها أو مستواها المالي والاقتصادي.. لذا نجد أن الدولة الأغنى والأكثر تقدماً على المستوى العالمي، أي الولايات المتحدة الأمريكية هي في ذات الوقت الدولة الأولى عالميا في جذب الاستثمارات الأجنبية، كما نجد أن الدولة الأغنى عربياً وهي المملكة العربية السعودية هي الدولة الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية على المستوى العربي.ومع استمرار الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية الراهنة خاصة بالعديد من الدول الأوروبية، فقد عمل بعض هذه الدول للخروج من الأزمة على تقديم بعض من التيسيرات والتسهيلات لجذب الأثرياء والمستثمرين الأجانب إليها، ومن ثم إقامة عدد من المشروعات الاقتصادية والإنتاجية على أراضيها والتي سوف توفر آلاف فرص العمل وتساهم في حل مشكلة البطالة وتضخ جزءاً من إنتاجها بالأسواق لتوازن بين قوى الطلب والعرض واستقرار الأسعار وخفض معدلات التضخم، كما تزيد من صادراتها وإيراداتها من العملات الأجنبية بما يعمل على تشغيل المجتمع وزيادة معدلات النمو.ومن هذا المنطلق فقد أصدرت مالطا وهي إحدى دول الاتحاد الأوروبي، قانوناً جديداً يهدف إلى تشجيع وجذب الأثرياء والمستثمرين "وفي المقدمة منهم أثرياء الخليج العربي" بحيث يمنح هذا القانون الجنسية المالطية فوراً ودون شرط الإقامة على أراضيها لعدد من السنوات، وذلك عند تحويلهم لمبلغ 650 ألف يورو واستثمارها في الجزيرة.. وفور حصول المستثمر الخليجي أو العربي على الجنسية المالطية يصبح تلقائيا مواطنا أوروبياً.ومن ثم يحق لهذا المستثمر حرية الإقامة والتنقل والعمل والاستثمار في كافة دول الاتحاد الأوروبي، ورغم انتقاد البعض لهذا القانون ورفضهم له سواءً داخل مالطا أو دول الاتحاد الأوروبي باعتباره بمثابة محلل لدخول هؤلاء المستثمرين إلى أوروبا عبر البوابة المالطية، إلا أن البعض الآخر يرى أن هذا القانون سيكون كفيلاً بجذب أعداد كبيرة من الأثرياء والمستثمرين إليها مما سيساهم في إنعاش أحوال الجزيرة اقتصاديا وتجارياً بشكل ملموس.هذا ويجري في البرلمان البريطاني حالياً مناقشات مستفيضة لمشروع قانون جديد يسمح ببيع بتأشيرات الإقامة على أراضي الدولة "بالمزاد" للأثرياء من منطقة الخليج العربي وروسيا والصين الذين يبحثون عن ملاذات جيدة وآمنة لاستثمار ثرواتهم، كما يبحث مشروع القانون الجديد أيضا منح تأشيرات الإقامة للأجانب الذين يتبرعون بمبالغ كبيرة لبعض القطاعات الخدمية المهمة وفي مقدمتها قطاعي التعليم والصحة.كما أقرت إسبانيا في أعقاب الأزمة المالية العالمية الراهنة قانوناً يسمح للأجانب الذين يشترون عقارات داخل البلاد بحق الإقامة على أراضيها، وهي إقامة تتيح لهم التقدم "بعد عدد من السنوات" لطلب الحصول على الجنسية الإسبانية، وذلك في محاولة من حكومتها لاجتذاب الأثرياء والمستثمرين للإقامة بها وإقامة بعض من المشروعات الاقتصادية والمساهمة في إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والمالية الطاحنة.وإذا كانت هذه هي نظرة الدول الأوروبية نحو تشجيع وجذب الاستثمار فإن الأمر يختلف كثيراً في العديد من دولنا العربية التي تعاني ضعف القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، والتي لم تتمكن من جذب أكثر من 5% فقط من إجمالي التدفقات النقدية الاستثمارية العالمية خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك بسبب غياب التخطيط العلمي والعملي السليم والقدرة على الترويج الفعال للأنشطة والمشروعات العربية مع عدم الاهتمام بالعمل على تحسين مناخ الاستثمار وتطويره.وفي محاولة جادة للتغلب على أهم المعوقات والعقبات التي تضعف من قدرة الدول العربية على جذب الاستثمار والمستثمرين فقد نظمت دولة الكويت مؤخراً ملتقى للاستثمار العربي تحت شعار "فجوة جاذبية الاستثمارات العربية" وذلك بحضور أكثر من 300 مشارك من الوزراء وكبار المسؤولين العرب المتخصصين في مجالات الاستثمار والتنمية والتمويل والتخطيط ومنظمات رجال الأعمال والمستثمرين والغرف التجارية والصناعية.وبعد قيام الملتقى العربي للاستثمار برصد وتحليل دقيق لمدى جاذبية الدول العربية للاستثمار أصدر الملتقى تقريراً كشف فيه عن عدم نجاح الدول العربية حتى الآن في أن تكون مواقع جذب فعالة للاستثمار الأجنبي المباشر، وأوصى الملتقى بضرورة تحسين مناخ الاستثمار ووضع وتطوير السياسات الاقتصادية والاستثمارية على أن تكون هذه السياسات كفيلة بإزالة معوقات الاستثمار وتحقيق حرية الأسواق ورفع مستوى الكفاءات البشرية والقدرات التنافسية والتكنولوجية والإنتاجية، بما يعمل على تشجيع وجذب المستثمرين المحليين والأجانب بجدوى الاستثمار في منطقتنا العربية، على أن تكون الأولوية للمشروعات التنويه ذات العائد المرتفع، مع طمأنة هؤلاء المستثمرين من خلال تطوير التشريعات التي تضمن لهم استثماراتهم ضد المخاطر وفي المقدمة منها المخاطر السياسية.