13 سبتمبر 2025
تسجيلفي كل مرة يحين الموعد لقمة عربية ترى الآمال واللامبالاة متلازمين في أعين المكلومين من بني جلدتنا شاخصة، وآذان المتربصين بنا صاغية وأياد إقليمية تلف يمينا وشمالا لتوقع بنا لا متناهية واقعنا مشرقا تتداعى عليه الأمم لكل فيه طرف ونصيب، ومغربا متذمرا أحيانا ومتذبذبا أحيانا أخرى شعوب منقسمة بين من يرى أن ما حك أظافرنا مثل جلودنا ولن يغير الله ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا وبين من يرى أننا كم من مرة انتظرنا القمم وبماذا خرجت وبكم نقصت من معاناتنا فهل زادت الطين إلا بلة والفرقاء إلا تفرقة يدخلها الساسة في أقسى الظروف وأحلك الأزمنة على الأمة ولا يخرجون منها إلا بنتيجة واحدة اتفقنا على أن يبقى ما اتفقنا عليه حبرا على ورق لا يستحق أن نعود به إلا حيث كنا، وآخرون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء رأيهم في كل مرة "لن يخرج الساسة بجديد" حتى ولو اتفقوا له رغم أنهم أهل ثروة ليسوا متقاسمين لإرث وما يجمعهم من قواسم مشتركة لا تتوفر في غير وطننا العربي فالتاريخ والقيم الروحية والبنية الاجتماعية والوحدة الجغرافية والموقع الاستراتيجي نعمة عاجزين أن نؤدي شكرها ومع ذلك فكل المبادرات التي قامت بها الدول العربية منذ بداية العمل العربي المشترك ثنائية كانت أم جماعية قطرية أم شاملة لم ترق حتى الآن إلى المستوى المطلوب كل بحجة الخلافات السياسية وإذا كانت القمة المرتقبة حاليا ستجري في ظروف استثنائية بكل المعايير فالأعين العربية الناظرة إلى الساسة أصبحت بدل الهمس في الماضي تصرح وتتظاهر وتعبر عن قضاياها أكثر من أي وقت مضى والآذان الخارجية المصغية إلينا والمراهنة والمستفيدة من تفرقتنا بات لديها ما يشغلها عن قضايانا وفي الوقت نفسه عاجزة عن تمويل خلافاتنا والأيادي الإقليمية المصرة على تعميق الشرخ العربي مازالت أضعف من الوقيعة بنا فإن كل العرب أيضا مسؤولين كانوا أو مواطنين عاديين سياسيين أو اقتصاديين مجمعون على أنه لا سبيل للرقي بالشعوب العربية ولا طريق للنهضة والحصول على المكاسب المطلوبة وسماع الكلمة ونيل الحق إلا بالتكامل ولا سبيل إلى التكامل إلا بتنقية الأجواء السياسية وقطع كل يد تمتد لتفرق بين الأشقاء فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا وقد نتفق على مصالحنا ونلتقي بأصدقائنا ونقطع الطريق أمامهم إن كان همهم تفرقتنا سواء بأي ثمن فهل ينحي القادة منحى التصالح الفعلي ويعملون على طرح حجر الأساس للتكامل من جديد أو يبنون على ما سبق أن أنجز في الماضي أم أن التصالح ليس سوى كلمة لا تتعدى الحناجر وما في الضمائر باق لنحسب أياما أو شهورا ثم نعود للتخندق من جديد حين يطلب المتمالئون على مستقبلنا ومصير شعوبنا ذلك. ومع أن تجارب الأمم أثبتت لنا بطلان الهواجس التي كنا نعتقد أنها تقف حجر عثرة في طريق وحدتنا كالخلافات السياسية ومظاهر الغنى والفقر والتخلف الاقتصادي فلم لا ننظر كيف استطاع العدوان اللدودان على امتداد التاريخ(فرنسا وألمانيا) تجاوز خلافاتهما السياسية لدفع العجلة الاقتصادية التي شكلت في ما بعد الدعامة الأساسية التي ارتكز عليها مسرح الجماعة الاقتصادية الأوروبية التي رغم تباين الناتج القومي فيها لم تقل أي من الدول الأكثر ثراء أن الوحدة الأوروبية سوف تكون لصالح طرف على حساب الطرف الآخر منها. أو ننظر كيف كان اقتصاد الصين وماليزيا وكيف استطاعت الصين التغلب على جل مظاهر التخلف الاقتصادي فعندما استقلت عام 1949 كان اقتصادها يعاني من الاضطراب بسبب الحرب والتضخم وكان من مهام الحكومة بناء نظام اقتصادي عام وإزالة البطالة والمجاعات المنتشرة، وكان عدد سكانها آنذاك حوالي المليار نسمة، وثلثا أراضيها تعتبر جبلية وصحراوية، وعشرها فقط هو المزروع، ومع ذلك تمكنت الدولة من الاعتماد على النفس وإعادة توجيه أكبر للاستثمارات الزراعية، وبعد مدة من النمو أحدث السياسيون ثورة ثقافية، حيث تم حقن الاقتصاد بأيدلوجية محددة وهي مقاطعة المنتجات الأجنبية وفي العام 1975 وضعت الحكومة خطة حتى العام 2000 لتصبح ذات قوة اقتصادية كبرى، وعرفت هذه الخطة في حينها ببرامج التحديث، وكانت على أربع مراحل، وكانت مضامينها تركز على رفاهية المستهلك وزيادة الإنتاجية والاستقرار السياسي وتأكيد زيادة الدخل الشخصي وزيادة الاستهلاك، وإنتاج منتجات جديدة في ظل وجود نظام الحوافز، كما عمدت الحكومة إلى تخفيض دور الإدارة المركزية وجعلها مختلطة حيث عملت على وجود قانون تشريع الإصلاح الزراعي، وخفضت عبء الضرائب على المشاريع غير الحكومية، وعملت على توفير تسهيلات الاتصال المباشر بين الصينيين والشركات التجارية الأجنبية، وكانت نتيجة هذه الإصلاحات المبنية على الخلط بين الاتجاه المركزي والمبادرة أن تكون الصين في الوقت الحاضر لاعباً دولياً بارزاً في الاقتصاد العالمي لتتحدي بذلك أي بيت في العالم من دون منتج صيني ومع ذلك لم تسلم يوما من الضغوط الخارجية وبذلك استطاعت التوفيق بين السير قدما في مخططها من جهة ومناورة أعدائها من جهة ثانية. أضف إلى ذلك كون الأزمات محفزا أساسيا لتقريب وجهات نظر الشعوب وتجاوز الأخطاء لدفع أخطارها فلم يعرف الجيل الحاكم حاليا أزمة أعتى من الأزمة الاقتصادية التي يشهدها عالم اليوم فلقد أحيت النعرة الاقتصادية في دول أكثر قدرة على تحمل تداعيات الأزمة ومع ذلك بقيت الدول العربية عرضة لتداعياتها ليس عجزا في الموارد المالية ولا نقصا في المصادر البشرية فهناك دول عربية غنية بثرواتها وكنوزها الاقتصادية مثل الدول الخليجية التي تمتلك 45% من احتياطي العالم من البترول، و19% من الغاز، ويتوقع لها دور رائد في الاقتصاد العالمي نتيجة تدفق السيولة النقدية إلى مصارفها المركزية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، في الأسواق الدولية ودول عربية أخرى قد قطعت شوطاً كبيراً في مجال التنمية الإنسانية وعرفت مبكراً أن الموارد البشرية هي أهم الموارد الاقتصادية على الإطلاق، إلا أن كل هذا لم يشفع للدول العربية صاحبة العجز في استقطاب الأموال العربية المهاجرة بحثا عن فرص للاستثمار والمقدرة بأكثر من تريليون ونصف من الدولار تستأثر الولايات المتحدة وحدها بنحو 70 % منها، والبقية موزعة بين الأسواق الأوروبية وغيرها. ولم تنجح الدول الغنية صاحبة الفائض باستقطاب العمالة العربية والتي من المتوقع أن تصل إلى 25 مليون عاطل عن العمل بحلول 2010 واستبدالها بالعمالة الأجنبية والتي قدرت معدلات تحويلاتها في عام 2005 بنسبة 25% من الإيرادات النفطية السنوية للدول الخليجية فهل يا ترى ستكون القمة المرتقبة تكريسا لواقع مؤلم وتغافلا عن حق طالبه أعياه طول الانتظار أم أن كشف المستور وتزايد التداعيات قد يرسم البسمة مجددا على شفاه فقدت الأمل وملت الانتظار؟