15 سبتمبر 2025

تسجيل

سياسات عربية لمواجهة شح المياه في الشرق الأوسط

26 مارس 2014

في أحدث تقرير للبنك الدولي شخص فيه واقع المياه في عالمنا العربي، من أنه يعاني من شح في موارده ومنابعه، وصلت لمستويات مقلقة، إذ إنّ تفاقم الطلب على موارد المياه النظيفة نتيجة الزيادة السكانية، والنمو الاقتصادي، يضع الدول أمام تحديات حقيقية.ورغم نمو موارد الشرق الأوسط، وغناه بمكوناته ومقدراته الطبيعية من أراض ٍ زراعية ووديان وسهول وسواحل غنية، إلا أنّ غياب التخطيط والعشوائية في ترتيب الأولويات، دفعت إلى بروز التحديات أمام مصادر المياه، التي تعد مورداً حيوياً مهماً.ويرجح تقرير البنك الدولي أن يتفاقم الطلب على المياه مستقبلاً، مبيناً أنه في العام 1950 كان نصيب الفرد من الموارد المائية أربعة أضعاف ما يحصل عليه اليوم، وتشير التوقعات إلى أنّ المنطقة ستواصل ارتفاع الطلب على المياه بحلول 2050، مما ينبئ بظهور مشكلات أخرى مثل الجفاف وشح الموارد إضافة ًإلى مشكلات الموارد الطبيعية مثل الفيضانات والسيول، والتي تتسبب في خسائر تقدر بالمليارات.ولعل أبرز القضايا الملحة هو أنّ منطقة الشرق الأوسط تفقد احتياطياتها من المياه العذبة، وهذا الفقد أكبر من معدلات فقدانها على اليابسة، واستنفاذ المياه الجوفية أكبر مساهم في الاتجاه السلبي نحو شح المياه حيث يشكل "60%" من إجمالي الفاقد في المياه.وأشار تقرير الأمم المتحدة أيضاً إلى أنّ الطلب المتزايد على المياه، وتغير المناخ، يهددان مصادر المياه، وأنّ هناك حاجة ملحة لموارد الطاقة ومنشآتها إلى المياه التي تعتمد عليها في عمليات التشغيل.ويمثل إنتاج الطاقة ما يقارب "15%" من الكميات المسحوبة من المياه، ومن الآن وحتى 2035 سترتفع الكميات بنسبة إضافية تمثل "20%" بسبب النمو السكاني والتمدد الحضري وتطور أنماط الاستهلاك.ومن القضايا التي باتت تطفو على السطح، وتؤرق المعنيين من واضعي السياسات الاقتصادية هو نقص موارد المياه، وسلوكيات البشر الخاطئة في الحفاظ على مصادرها الطبيعية، إضافة إلى الحروب والنزاعات والخلافات والإصلاحات الاقتصادية البطيئة التي ضاعفت من مشكلات نقص المياه.فالبيانات الإحصائية ترسم واقعاً مقلقاً، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ مليار شخص لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب، والبنى التحتية لمرافق المياه لا تتماشى مع حاجة السكان، و"80%" من الصرف الصحي يبقى متروكاً دون تدويره والاستفادة منه أو إعادة تكريره لاستخدامات أخرى، وأنّ الزيادة في الحاجة للطعام يتطلب معه الحاجة إلى مياه لازمة للزراعة، ووجود "1،8"مليون شخص في بلدان أو مناطق تعاني من ندرة المياه بصورة كبيرة، ويواجه ثلثا سكان العالم مشكلة توافر المياه النظيفة بسبب الزيادة البشرية.وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه في عالمنا اليوم أكثر من "768"مليون شخص غير قادرين على الانتفاع بمصادر مياه الشرب، وأنه لا يزال "1،3"مليار شخص غير موصلين بشبكة الكهرباء، و"20%" من مستودعات المياه الجوفية تتعرض للاستغلال المفرط، ويمثل إنتاج الطاقة ما يقارب "15%" من الكميات المسحوبة من المياه، وتتجه هذه النسبة إلى الارتفاع في عام 2035، ويتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء "70%" ومعه سترتفع الحاجة إلى المياه أيضاً.إزاء الزيادة الإحصائية المقلقة التي رصدتها مراكز وهيئات دولية، فإنّ توفير مصادر آمنة لمياه الشرب والمياه الصالحة للاستخدامات أو الاستفادة من مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية، تحتاج إلى رؤى أكثر تناغماً مع متغيرات واقعنا العربي المحيط بنا.ورغم أنّ الشرق الأوسط اتخذ خطوات فاعلة في إدارة مخاطرها ومواجهة النقص في المياه، إلا أنه يتطلب الكثير من الجهد لإدارة الأزمات، إذ يجمع الخبراء على ضرورة التصدي للنقص والتحديات المستقبلية بتنسيق الجهود، وتنسيق سياسات إدارة مصادر المياه والطاقة، ومراجعة السياسات التعريفية بتلك المصادر، وتعزيز الاستثمارات في مصادر جديدة مثل معالجة مياه الصرف الصحي، والاستفادة من المياه الجوفية والحفاظ عليها، وإيجاد طاقات بديلة لا تستخدم المياه بشكل كبير مثل طاقتيّ الرياح والشمس.على الصعيد المحلي.. فقد وعت دولة قطر لأزمة المياه في الشرق الأوسط، واتخذت خطوات فاعلة وحقيقية، لتمكين السكان من الحصول على موارد مائية ميسرة ونظيفة، فبدأت أولاً بسياسات الترشيد لكل من الكهرباء والمياه، ثم وضعت خطى مستقبلية ورؤى تستشرف الغد، مراعية ًفيها النمو العمراني والاقتصادي والسكاني.ووضعت الدولة إستراتيجية لإدارة الموارد الطبيعية، والتي تعد خارطة طريق نحو الاستدامة، وهذا ما رسمته وزارة الطاقة في بياناتها مؤخراً، سعياً إلى الوصول إلى رؤية قطر 2030.وتسعى الدولة من خلال سياسات الترشيد إلى خفض استهلاك الكهرباء بنسبة "20%" والمياه بنسبة "35%" بحلول 2017، كما تمّ تدشين عدد من الخزانات الكبيرة ذات السعة الضخمة لتوفير المياه.وأشرت في مقال سابق إلى أنّ دول الخليج ترى أنّ الأمن المائي ركيزة الاستراتيجيات التنموية التي تعتزم الحكومات البدء فيها وتحقيقها في 2030، وأنّ عمليات الربط المائي ستبدأ بشكل ثنائي بين الدول تمهيداً للارتباط الكلي بينها.ويحدد مركز الخليج لسياسات التنمية أنّ دول الخليج الأكثر تأثراً بندرة ومحدودية المياه نظراً للمناخ الصحراوي والجفاف وتأثر "85%" من مساحاتها الشاسعة بالجفاف، وندرة المياه العذبة التي تزامنت مع الزيادة السكانية، وزيادة الطلب على الغذاء، ومحدودية التساقط المطري، واستنزاف المياه الجوفية، وقد تتفاقم هذه المشكلة في ظل ضعف أجهزة إدارة المياه، وقلة الاعتمادات المالية اللازمة لتنمية الموارد المائية.وتفيد الدراسات البحثية بالمركز أيضاً أنّ دول الخليج تعتبر من أكبر المناطق إنتاجاً للمياه غير التقليدية، إما بواسطة معالجة مياه البحر أو بواسطة تنقية مياه الصرف الصحي أو إعادة استخدام مياه الإنتاج الزراعي ورغم التكاليف الباهظة لتلك العمليات إلا أنها ضرورية لزيادة الطلب على موارد المياه.وبالنظر إلى تلك الإمكانات الهائلة في تحقيق الأمن المائي بدول التعاون إلا أنها تواجه تحديات هي الأكثر صعوبة، كما حددتها دراسات سياسات التنمية بالمركز، وهي الاستهلاك المفرط لأحواض المياه الجوفية واختلاطها وتداخلها مع مياه البحر، والهدر في مياه الشرب، واستخدام طرق الريّ التقليدية وتملح التربة وارتفاع مستوى الماء الأرضي، بالإضافة إلى التحديات المؤسسية في كل دولة وهي تعدد المؤسسات وضعف الرقابة، وعدم وجود الكوادر البشرية المؤهلة وزيادة الفجوة بين النمو السكاني وإمدادات المياه وقصور السياسات المائية وغياب عنصر التكامل والشمولية.وركزت تلك الدول على رصد التحديات التي تواجه قطاع المياه والغذاء والطاقة، باعتبارهم مجالات ضرورية للتنمية البشرية، ولاستمرارية النمو الاقتصادي، ووضعت أولويات للاستثمارات في تلك القطاعات، التي بدورها ستعزز من نمو مشاريع البنية التحتية، وتصدرت موضوعات الأمن المائي والأمن الغذائي وأمن الطاقة الكثير من الاجتماعات والبرامج في دول التعاون بهدف سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك ومواءمته مع الزيادة السكانية والتوسع العمراني.