12 سبتمبر 2025

تسجيل

هل سيذهب العرب إلى بغداد.. بعد انقطاع عقدين؟

26 مارس 2012

تمت القمة أم لم تتم، حضرها الرؤساء، نصفهم، ممثلوهم، أم لم يحضرها أحد.. بغداد التي تنضح عروبة مهما طالتها يد التقسيم، التغريب أو العجمة، ومهما تقاذفتها التيارات السياسية الجارفة التي تحكمها، ومن يريد من القمة فقط إعطاء شرعية للحكومة الحالية بعد عقدين من الغيبة العربية عن مدينة عريقة من مدن الخلافة الإسلامية، بخلاف العلاقة التاريخية بينها وبين الحليفة "فارس" اليوم. وفي مفارقة باتت تعزز أهمية قمتها الجامعة العربية، وهي تمثل واقعاً عربياً تشرذم عِقده، لن أطرق أبواب السياسة، وبغداد في جدل رسمي وشعبي كبير ما بين مؤيد ومعارض لعقد القمة العربية المزمعة فيها بعد يومين. رغم ذلك.. حب بغداد يسكن قلوبنا.. وخارج نطاق السياسة تذكرت انه في خضم احتفالاتنا باليوم الوطني لدولة قطر، فتحت الراديو فصادفتني اول أغنية صباحاً للعراقي "سعدون جابر": من مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه ومين مفارق محب.. يمكن سنة وينساه بس مين مضيع وطن.. يبه وين الوطن يلقاه.."، قلت: صدقت والله.. فسألتني صغيرتي عن معناها، قلت لها: تعني من فارق وطنه، أو سرق منه غصباً عنه، وقدر له أن يعيش دون وطنٍ سواء أكان خارج الوطن ام داخله، فلن يجد عنه بديلاً، ولن يسلاه أبداً. طبعا ابنتي لم تفهم معنى ان يعيش المرء بلا وطن داخل الوطن!!.. فتركتني ظناً منها أن أمها تهذي.. والمعنى في بطن الشاعر كما يقول العرب. هذا سبب اختلاف البعض على عقد قمة فيها كما تعلمون.. ويجهل صغارنا. حزنت على بغداد وحاضرة العروبة والعصر الذهبي للخلافة العباسية ومنبع الثقافة والحضارة، وتذكرت المحرقتين: محرقة هولاكو لمكتبة بغداد التي كررها في التاريخ الحديث الغزو الأمريكي ـ البريطاني على العراق، في بربرية همجية على الحضارات والإرث الثقافي التي تّدعي الدول المتحضرة المحافظة عليهما.. ولن تنمحي من ذاكرتنا آلام وآثار مخلفات النهر الذي تحول للون الأسود مجدداً بعد سواده بغزو المغول. مناسبة قمة الربيع العربي في بغداد.. مشوبة بالحزن الكبير على حواضر الدولة الإسلامية والعربية الممزقة، خصوصاً أن بغداد تتناوشها أذرع مختلفة، قسمت العراق إلى دويلات مذهبية متفرقة تذكي رغبة المستعمر الجديد، وتوقد فتيل النزاع العربي حول عروبتها. "بغداد" لم نسرح بها حباً في شبابنا بل منذ طفولتنا، أوَلسنا من تمنى وقتها زيارة بغداد لمجرد أن منها السندباد البحري، ومكثنا نردد عنه مع موسيقى التتر: "بطـــــــل ٌ.. من بغـــــــدددددداد" وتخيلنا الأبطال من الرافدين. وكذلك رائعة ألف ليلة وليلة حتى لو تابعنا علاء الدين ومعروف الإسكافي، وعلي الزئبق، وعلي بابا والأربعين حرامي، وما تحول من روائع الأدب العربي إلى أفلام تلقفتها شركة "دزني".. لم يتهيأ لي حلم زيارة بغداد منذ ولعي بالسندباد البحري، ولم أطلع إلا على ما درسته في التاريخ، وربما تعرفت بغداد أكثر لولعي بالأدب أكثر من التاريخ، فتذكرت رسالة قرأت عنها عن البانديت جواهر لال نهرو عندما قال ملمحاً لألف ليلة وليلة: "إن آلاف الناس الذين لم يسمعوا شيئاً عن الخلفاء العباسيين وامبراطوريتهم العظيمة، يعرفون بغداد العظيمة كمدينة للحب والجمال والمغامرة، وكثيراً ما كانت دول الخيال أصدق وأبقى من دول الحقيقة والواقع". وكلي قناعة بما ذهب إليه "نهرو" والأولون، لأنها تخلد تاريخاً منقوشاً في الذاكرة لا تطوله يد النسيان بل تتهافت عليه المكتبات والمتاحف العالمية لتحتفظ بمخطوطاته، ولتشكل إلهاماً لكتب وروايات، بل لفنون وأغانٍ منها الأغنية العالمية المشهورة بـ "اسمي بغداد" للأسترالية تينا ارينا Je m'appelle Bagdad والمغناة باللغة الفرنسية. بغداد في ذاكرتنا "كينوية" أو كيان يخالف الوضع الواقعي الذي حمّلها، في داخلها، صراعاً دموياً بين أطياف بقايا شعب تندلع شرارته في أي وقت، وحمّلها في خارجها، خلافاً عربياً على قمة، ستنعقد مكاناً ربما بتمثيل أضعف ليفرّغ المكان من زمانه ولبّه وقضيته لأسباب سياسية وأمنية. فانكفأتُ على"ألف لـــيلة وليــــلة" مجدداً، لأعيش خيال شموخ الدول العربية الواعدة والخالدة، فسرقات علي بابا والأربعين حرامي، أشرف وأرحم بكثير من التجزئة الطائفية، وجريمة سارقي الدول، وناهبي الأوطان...!!! كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com