14 سبتمبر 2025

تسجيل

الفاعل والمساهم والمشارك في الجريمة

26 فبراير 2024

لا شك أن قانون العقوبات هو الشريعة العامة لتحديد الأفعال المجرمة قانونا وإعطاء الأوصاف القانونية الملائمة لها مع التنصيص على العقوبات الواجب إيقاعها في حق مرتكبيها. وعلى هذا الأساس ورد ضمن قانون العقوبات التفصيل بشأن الأشخاص الذين يعتبرهم القانون مرتكبين لأفعال إجرامية، مع التفرقة بينهم بخصوص مركزهم القانوني من حيث ارتكاب الجريمة. وهنالك جرائم تقع في ظروف وملابسات بسيطة، إذ يأتيها شخص معين تسند إليه ويعاقب بالعقوبة المقررة لها بوصفه فاعلا، وفي المقابل هنالك جرائم ترتكب بواسطة مجموعة من الأشخاص وعلى إثر مراحل متعددة، ويختلف دور كل منهم في تحقيق النتيجة الإجرامية، وبالتالي فإن الوصف القانونية للفعل المرتكب من قبل كل منهم يختلف كذلك وله مسمى وأثر قانوني مغاير عن الآخر. الأصل في كل الجرائم أن يسمى مرتكبها في نظر القانون «الفاعل» ويكون هو الشخص الذي رسم الصورة المكتملة لتحقيق نتيجة الفعل الجرمي من حيث الإعداد والتصميم عند الاقتضاء، أو من حيث التنفيذ أو القيام بالفعل المادي وكذلك من حيث التأكد من وقوع النتيجة المتوخاة من فعله، فهذا الشخص يعتبر في شرع قانون العقوبات الفاعل ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في القانون، ويلزم تنفيذها في حقه. فإذا كانت الجريمة قد ارتكبت من طرفه وحده يسمى «فاعلا»، أما إذا كانت مرتكبة من طرف أشخاص متعددين لكل منهم دور مختلف، يسمى في هذه الحالة «الفاعل الأصلي»، ويشترط من أجل اعتباره كذلك أن يكون قد أتى الفعل المادي للجريمة وتوخى تحقيق نتيجة ذلك الفعل، مثل جريمة القتل بواسطة السلاح، فلكي يعتبر الشخص هو الفاعل يجب أن يكون قد أمسك بالسلاح بنفسه وصوبه نحو الضحية وأطلق منه الرصاص الذي بواسطته حدثت الوفاة التي كان يتوخاها من خلال إتيان هذا الفعل. أما إذا كانت مثلا جريمة القتل بواسطة السلاح تمت بواسطة مجموعة من الأشخاص فإن الفاعل الأصلي هو الذي ينفذ الجريمة ويهدف إلى تحقيق نتيجة الوفاة، ويكفي من أجل اعتباره فاعلا أصليا أن يعطي أوامره وتعليماته لطرف آخر من أجل تنفيذ عملية إطلاق الرصاص على الضحية، وليس بالضرورة أن يقوم بذلك الفعل بنفسه، لأن من يقوم بهذا الفعل يعتبر في هذه الحالة مساهما وليس فاعلا أصليا. يعتبر مساهما في الجريمة كل شخص قام بالتنفيذ المادي للفعل المكون للجريمة، مثل الشخص الذي يطلق الرصاص على الضحية بتعليمات من الفاعل الأصلي في جريمة القتل، ومثل الشخص الذي يحتجز الضحية في مكان بعيد باتفاق مع الفاعل الأصلي في جريمة الخطف. وليس بالضرورة اقتصار المساهمة في الجريمة على ارتكاب أفعال مجرمة، بل يمكن في حالات أخرى أن تكون المساهمة بمثابة الامتناع عن ارتكاب فعل، مثل جريمة عدم التبليغ عن ارتكاب جناية، وذلك من خلال رفض الاتصال بالسلطات المعنية لإخطارها بوقوع جريمة باتفاق مع الفاعل الأصلي. والمساهم في ارتكاب جريمة يعامله القانون معاملة الفاعل الأصلي، وبحسب المادة 45 من قانون العقوبات القطري يعاقب المساهم في ارتكاب الجريمة بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلا ولو كانت غير التي قصد ارتكابها، متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة لأفعال المساهمة التي حصلت منه. أما المشارك في ارتكاب الجريمة فهو مختلف عن المساهم فيها، لأن هذا الأخير يجب ثبوت إتيانه فعلا ماديا مكونا لأركان الجريمة أو امتنع عن القيام بفعل يوجبه القانون، وأدى ذلك إلى تحقق نتيجتها. أما المشارك فليس بالضرورة أن يقوم بفعل مادي للجريمة بل يكفي أن يساعد في وقوع الجريمة من خلال ارتكاب الأفعال المنصوص عليها ضمن المادة 39 من قانون العقوبات، وهي التحريض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة، القيام بأفعال مساعدة على ارتكابها والحضور وقت التنفيذ، تسخير الغير بأي وسيلة لتنفيذ الفعل المكون للجريمة بشرط أن يكون الشخص المسخر غير مسؤول عنها جنائيا. وبحسب المادة 40 من قانون العقوبات، فإن من ثبت اشتراكه في ارتكاب الجريمة عوقب بنفس العقوبة المقررة في حق الفاعل الأصلي، إلا في الحالة التي ينص فيها قانون خاص على خلاف ذلك.