11 سبتمبر 2025
تسجيلالعَجَل والعَجَلة فى اللغة: مادّة تدلّ على الإسراع، والاستعجال والإعجال والتّعجّل واحد بمعنى طلب السرعة "وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا"[1] أي طبعه العجلة يعجل بسؤال الشّرّ كما يعجل بسؤال الخير، يُؤْثر العاجل وإن قلّ، على الآجل وإن جلَّ، فبِنْيتُه العَجَلة وخِلقتُه العَجَلة، والعربُ تَقول للَّذي يُكثِر الشَّيْء: خُلِقْتَ مِنْهُ، والعاجل نقيض الآجل والعاجلة نقيض الآجلة: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا"[2] وفى الشرع: "فعل الشّيء ـ أو طلبه وتحرّيه ـ قبل وقته اللّائق به" أفاده المناويّ والرّاغب[3]، وهو من مقتضى الشّهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامّة القرآن حتّى قيل: "العجلة من الشّيطان"[4]، فمن هداه الله تعالى بنور توفيقه ألهمه الصبر في مواطن طلباته، والتثبت في حركاته وسكناته، فلطالما أدرك الصابر مرامه أو كاد، وفات المستعجل غرضه أو كاد"ولها دوافع كثيرة منها: طبيعة الإنسان والعصر، والجهل بسنن الله فى الكون، والحماسة عموما والشباب خاصة، وشيوع المنكرات وغلبة الشهوات، وعدم وجود رؤية واضحة لخطة الطريق، وعدم الخبرة وعدم صحبة أصحابها، وفى نفس الوقت صحبة المتعجلين * خلق الله تعالى السماوات والأرض فى ستة أيام ولو شاء أن يخلقهما في أدنى اللّمحات، لما مسّه فيما يأتيه إعياء ولا لغوب، ولا أعجزه كلال ولا فتور. وقد عدّ الإمام ابن حجر: من الكبائر الْعَجَلَةُ، وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِي الْأُمُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا}[5] وَالْحَدِيثِ: "الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ"، لِأَنَّهُ عِنْدَهَا يَرُوجُ شَرُّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، بِخِلَافِ مَنْ تَمَهَّلَ وَتَرَوَّى عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى عَمَلٍ يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ بَصِيرَةٌ بِهِ، وَمَتَى لَمْ تَحْصُلْ تِلْكَ الْبَصِيرَةُ فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِعْجَالُ"[6] ومن نماذج العجلة من الشيطان فى الوحيين: استعجال العصاة لعذاب الله، كما فى سورة الأنعام: (57+58) " مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ.. قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" وفى العنكبوت الآيات (35+55) "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ.. وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ..* يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[7] وعجَّبنا المولى من ذلك فقال: "أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ"[8] ومنها استعجال الساعة: ".. لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ *يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا.."[9] الاستعجال فى الدعاء: "وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا "[10] ومن رحمة الله تعالى أنه لا يَعْجَل بعجلة أحدنا: "وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.."[11] مَعْنَاهُ لَو عجَّل الله للنَّاس الشرَّ إِذا دَعَوا بِهِ على أنفسهم عِنْد الْغَضَب وعَلى أَهْليهمْ وَأَوْلَادهمْ، واستعجلوا بِهِ كَمَا يستعجلون فى الدعاء بِالْخَيرِ والرحمة، لقُضِي إِلَيْهِم أجلُهم، أَي مَاتُوا"، وفي الصحيحين: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"[12]، وإجابة الدعوة أعم من إعطاء المسألة، فقد يجيب الله الدعوة أو يدفع بها شراً أو ضُرًّا كان سيقع على الإنسان لو لم يدع، وقد يدخرها لصاحبها إلى يوم القيامة. فلا ينبغي الاستعجال والتبرم وترك الدعاء. أو اليأس وظن السوء مع يقين الإيمان بـــ: "ادعوني أستجب لكم.."[13]، ومنها استعجال العقوبة على الذنوب فى الصحيح: عَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟"، قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا"،.."سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ ـ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ — أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"؟ فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ"[14] ومنها استعجال الموت أنَفَة من الأقدار!! فى الصحيح: قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا" فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا»[15]، ومن سنة الله فى التشريع عدم التعجل، فلقد وَرَدَتِ الْأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ فِي الشريعة الغراء شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَمْ تَنْزِلْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ لِئَلَّا تَنْفِرَ عَنْهَا النُّفُوسُ دَفْعَةً وَاحِدَةً. إذ الخروج عن المألوفات من أشق الأشياء على النفوس، ولذا لا بد من التدرج بهم شيئا فشيئاً، حتى البلوغ إلى مرحلة القناعة والطمأنينة التى يريدهم عليها، حتى تتمكنا فى قلوبهم، ومن أقوى ما يحتجُّ به لذلك ما في الصحيح: عن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ.. "بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"[16] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ"[17]ومَا يُحْكَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَالْمَلِكِ قَالَ لَهُ يوماً ـ منكراً عليه عدم إسراعه في إزالة كلِّ بقايا الانحراف والمظالم والمفاسد والتعفية على آثارها، ورد الأمور إلى نصابها على سنن الراشدين، وَمَا يُحْكَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَالْمَلِكِ قَالَ لَهُ: "مَا لَكَ لَا تُنَفِّذُ الْأُمُورَ؟ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي لَوْ أَنَّ الْقُدُورَ غَلَتْ بِي وَبِكَ فِي الْحَقِّ". قَالَ لَهُ عُمَرُ: "لَا تَعْجَلْ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْخَمْرَ فِي الْقُرْآنِ مَرَّتَيْنِ، وَحَرَّمَهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَإِنَّى أَخَافُ أَنْ أَحْمِلَ الْحَقَّ عَلَى النَّاسِ جُمْلَةً، فَيَدْفَعُوهُ جملة، ويكون من ذا فتنة"[18]. وهنا تلحظ حكمة الشيوخ تلجم حماس الشباب، و: "مَنِ استعجلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أوانِهِ؛ ابْتُليَ بِحِرْمَانِه"، ومِن صُورِها استعجال النصر قبل استكمال واستجماع أدواته وأسبابه؛ فى الصحيح قُلْنَا: يا رَسُولِ اللَّهِ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"[19]، ولنتأمل متى أزال الرسول صلوات الله وسلامه عليه الأصنام من جوف الكعبة بعد عشرين عاماً من البعثة!!!