13 سبتمبر 2025

تسجيل

كنوز على قارعة الطريق

26 فبراير 2014

لم يكن سليمان الرجل المسالم العاطل عن العمل يدري أنه أثناء خروجه المعتاد من بيته باحثا عن عمل سوف يفاجَأ بما سيغير حياته للأبد.بعد أن قطع مسافة طويلة من المشي مفتشاً عن جهة يعمل بها، تعثرت قدماه بشيء ملقى فوق التراب.. انحنى على الأرض، لينظر في الشيء الذي تعثر به فإذا به — وبعد أن أزال بيديه التراب — يجد كيساً، به بضع عملات نقدية وقليل من العملات الورقية.. رفع رأسه وبيده كيس النقود الصغير، ونظر للسماء يشكر الله على هذه الهبة العظيمة.. عاد مسرعاً إلى بيته وهناك بحث عن الصندوق الخشبي الكبير المتواري في الركن الصغير بجانب ستارة غرفته القديمة.. أزال التراب مسرعاً عن باب الصندوق ثم فتحه وبكل عناية، وحب وضع كيس النقود والفرح الغامر يملأ جنبات نفسه.. وبعد أن اطمأن لمكان الصندوق قرر أن يعود للسير من جديد، فلعله يعثر على كيس نقود آخر سقط من أحدهم واندس في التراب ينتظره، نعم ينتظره هو بالتحديد ليزيح عنه التراب ويأخذه إلى بيته، إلى الصندوق الخشبي ليستقر هناك إلى جانب صرة المال الأولى، التي افتتح بها رحلته مع كنوز الطريق!!.. مشى ومشى حتى ارتفعت حرارة الشمس، ولم يجد أمله، فعاد لبيته.. أسفاً على أنه لم ينل بغيته.. في اليوم الثاني نهض من النوم مسرعاً وفتح الباب خفيف الخطى منتشياً مسروراً، وقرر معاودة المحاولة ثانية فغنيمته التي نالها أمس، ما زالت تشعره بالفرح.انطلق مسرعاً يمشي ثم ينحني على الأرض كلما شعر بأن هناك شيئا فوق التراب أو تحته.بعد عشرات الأمتار التي قطعها سيرا على الأقدام، عثر على خيوط قديمة، وبعد مسافة تالية عثر على كرة صغيرة من ألعاب الأطفال!! بعد ساعة من المشي المتصل شعر من جديد، بأن هناك شيئاً تحت التراب.. انحنى إلى الأرض وأخذ يزيح التراب مفتشا عن ذلك الشيء الثمين، فإذا بعملات نقدية معدنية لا تساوي إلا القليل من المال، أخذها فرحاً مغتبطاً مذكراً نفسه بأنه على الطريق الصحيح.. في اليوم الثالث كان قد بدأ بإقناع نفسه بأنه قد عثر على هدف أهم من البحث عن وظيفة، فيكفيه أنه يبحث عن السعادة السهلة التي تنتظره تحت الأتربة في الطرقات والحواري والأزقة.نعم سعادة سهل نيلها.. تنتظره بفارغ الصبر، لتكون معه، هو الذي يقدر جيداً قيم الكنوز المخبوءة تحت الأتربة المغبرة، والأحجار المتناثرة في الطرقات.مر الأسبوع الأول وصندوقه الخشبي الذي يجلس ساكنا سكوت الموتى في قبورهم ما زال ينتظر المفاجآت السارة، والأموال التي ستدرها رحلة السير نحو كنوز الطرقات.مر الأسبوع الثاني وليس سوى عملات نقدية بسيطة وخيوط وأقلام قديمة ومحافظ فارغة.حتى المحفظتين اللتين عثر عليهما تحت التراب، وكان قلبه حينها يرقص فرحاً، لم تكونا سوى قطعتين من الجلد الصناعي الفارغ من أي مال!!.. مر شهر كامل نقص فيها وزنه كثيراً، لكن عزيمته كانت أقوى من الحديد.كان يكتفي بالقليل من الطعام والشراب حتى لا يفقد مدخراته سريعاً، هو الذي صار عاطلاً عن العمل منذ شهور عدة!!مر عام كامل وكل حصيلته لم تتجاوز كرات الصوف وعملات معدنية، ودمى صغيرة للأطفال، وخيوط لمكائن الخياطة، وأشياء أخرى شبيهة بها.. كان جسده قد أنهك من المشي غير المنظم، والتعرض المستمر لأشعة الشمس الحارقة، دون أدنى تحفظ، فتضاعف عليه السعال الذي بدأ خفيفا ومع الإهمال صار مزمناافتقده جاره خليل الذي نصحة كثيرا بالتوقف عن السير العبثي في الشوارع والطرقات، لكنه لم يكن يراه أكثر من حاسد بل كان يخشى أن يترك عمله وينافسه في رحلته نحو كنوز الطريق!!ثلاثة أيام توقف فيها سليمان عن الخروج والمشي في الشوارع؛ مما أكد لخليل أن هناك أمراً جللاً منع سليمان من الخروج اليومي والتسكع في الطرقات.. طرق الباب ولم يجبه أحد، كسر الباب مضطرا فوجد سليمان ممدداً على الأرض نائماً حاول إيقاظه لكنه كان غارقاً في المرض والحمى.اتصل بالمستشفى وطلب الإسعاف وهناك شخّص الأطباء حالته بأنه مصاب بالتهاب رئوي حاد.حاول الأطباء إسعافه طيلة أسبوع كامل لكن جسده المنهك لم يبد أي إشارة على تحسنه، وفي اليوم الثامن مات وانتقلت روحه إلى خالقها.بعد أن أنهت الأستاذة قراءة قصة (كنوز على الطريق) لطالباتها رفعت رأسها وسألتهن: ما الذي تسبب بموت بطل القصة سليمان، هل هي حمى الالتهاب الرئوي، أم تقديره الغريب للأمور، أم اندفاعه نحو الكسب الذي ظنه سهلا ميسرا؟!فاطمة: تقديره الغريب للأمور هو الذي تسبب بموته، ورغبته الجارفة بالكسب بطرق واهية وضعيفة.هند: أراد الكسب السهل، وقبل بخداع نفسه عامداً متعمداً.سارة: إن الدرس الذي نتعلمه من القصة ببساطة، هو أن الزمن إذا ابتسم لك لحظة وأعطاك كسبا سهلا، فلا تجعل من تلك اللحظة قصة حياتك، بل ابحث عن مغزى ما تفعل وقيمة ما تفعل.. سعاد: السير في طريق الأوهام عاقبته الكثير من الآلام.. رؤى: من أراد خداع نفسه فلن تغنيه مواعظ العالم..هدى: المقدمات الصحيحة وحدها تؤدي لنهايات صحيحة.. جويرية: من لم يفكر في العواقب يندم.. جميلة: اجعل همتك معلقة بالحقائق، وليس بالأوهام.. منى: الصحة والزمن مسؤولية، وعلينا أن نستثمر مواردنا بطريقة صحيحة.. أمل: كيف يقبل المرء أن يضيع العمر، وهو يأتي مرة واحدة في حسابات خاطئة، العمر لا يحتمل المجازفات الحمقاء؟!. وفاء: حاطب الليل يضرب ويضرب ويضرب لكن ضرباته في الغالب طائشة؟.. ماجدة: لا تدع الوهم يقودك، فهو لن يؤدي إلا للسراب، احذر السراب وانظر للحقائق وقوانين الحياة.. سلامة: العاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من وعظ بنفسه.. المعلمة: شكراً لكُنّ يا طالبات، علمنا الله وإياكن الحكمة، شكراً لتعليقاتكن الذكية، فالأهداف الجيدة وحدها هي التي تستحق أن يصرف لها الجهد والأيام.