15 سبتمبر 2025

تسجيل

كرهت الديمقراطية ودعاتها من العرب

26 فبراير 2013

(1) انشغل الناس في الوطن العربي بالحديث عن الديمقراطية وراح مجموعة من النخب السياسية تُسيّر المسيرات العنيفة والسلمية مطالبة بتحقيق الديمقراطية. منذ الربع الأخير من القرن الماضي هبت على عالمنا العربية أعاصير الديمقراطية، حوصر الشعب العراقي الشقيق أكثر من ثلاثة عشر عاما وتم احتلال الوطن العراقي من قبل أمريكا وبريطانيا لتحقيق الديمقراطية، ولكنها لم تتحقق حتى اليوم، بل أصبح العراق في حالة من السوء لم يكن في تاريخ العراق مثيلا لها عبر العصور.  أسقط نظام حسني مبارك في مصر وزين العابدين في تونس ومعمر القذافي في ليبيا وعبد الله صالح في اليمن ومزقت وحدة السودان باسم تحقيق الديمقراطية، وتتسارع الجهود لإسقاط النظام في السودان والبحرين وموريتانيا، ومصر محمد مرسي، وتونس حزب النهضة، كل ذلك من أجل تحقيق الديمقراطية. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وعلى كل الصعد، ما هي الديمقراطية التي نبحث عنها؟ إنها في اللغة تعني سلطة الشعب، إنها أصبحت مستعملة في معظم لغات العالم وصارت مصطلحا تعني "إشراك الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر في إدارة الحكم في البلاد".  إن الديمقراطية ليست مذهبا سياسيا فقط، إنها ليست مجرد أسلوب لتحقيق أهداف إجرائية، إنها مسألة عقل وقلب وهي عقلية جديدة في عالمنا العربي للتعامل بين الأفراد. (2) أعرف أنني أسهبت في الحديث في مقدمتي لكني أردت أن أثبت حالة محددة تجري في عالمنا العربي اليوم. المثقفون والسياسيون والمتعلمون وأنصاف المتعلمين يتحدثون عن الديمقراطية ويدعون لها في دول الربيع العربي ولكنهم أبعد الناس عن قبول الديمقراطية.  يقول اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية السابق: "الشعب المصري لا يناسبه نظام الديمقراطية، وأن ثقافة المصريين لا تتفهم الديمقراطية "(جمال سلطان في 9/2/ 2011).  لقد ثبتت صحة هذا القول، مثقفون وسياسيون مصريون يُدعون إلى حوار من رئيس الجمهورية للبحث عن أفضل الأساليب لا إدارة بلادهم، فيرفضون الحوار إلا إذا كان يصب لصالحهم وأهم مصلحة لهم هنا هي إسقاط رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، يُدعون للمشاركة في الحكومة فيرفضون المشاركة إلا إذا كانوا هم القادة.  القضاة في مصر أصبحوا سياسيين وليسوا قضاة بالمفهوم الشرعي للقضاء، المثقفون المصريون يدعون الشعب إلى عصيان مدني في مدن القناة وكبرى مدن الجمهورية وصولا إلى العاصمة القاهرة، يطالبون بإضراب عام في كل حقول الإنتاج الاقتصادية وهم يعلمون أنهم يحرمون الدولة والشعب من الموارد المالية مما يسبب لهم انهيارا اقتصاديا وتفقد مصر هيبتها بين الأمم.  طلاب السلطة من السياسيين في مصر وغيرها من الدول العربية لا يقبلون بنتائج الانتخابات إلا إذا كانت لصالحهم وإلا فإنها مزورة وغير نزيهة. في مصر فاز حزب الحرية والعدالة بالانتخابات العامة وشهد لتلك الانتخابات بالنزاهة، فلم تقبل النخب السياسة نتيجة الانتخابات ويصرون على إسقاط الرئيس المنتخب من قبل الشعب. جرى تصويت على الدستور وقُبل من قبل الأغلبية من الشعب فلم تقبل به "طبقة المثقفين السياسيين في مصر"، وجروا معهم العامة من الناس.  معظم وسائل الإعلام الخاصة في مصر تناولت رئيس الجمهورية بالاستهزاء والتحقير والحط من شخصيته وبذلك أسقطوا هيبة السيادة المتمثلة في رئيس الدولة، وللتذكير لمن نسي أو تناسى أنه لم يتجرأ أي إنسان في مصر أن يذكر اسم أنور السادات أو حسني مبارك باسمه دون ذكر كلمة سيادة الرئيس، ونذكر الصحفي المصري الذي نشر خبر مرض الرئيس المخلوع حسني مبارك فانتهى الأمر بذلك الصحفي إلى السجن، لأنه مس خصوصية الرئيس. في مصر فاز حزب الحرية والعدالة بالأغلبية البرلمانية فحل البرلمان بقرار عسكري من المشير طنطاوي ولم يرفض قضاة مصر العزيزة حل البرلمان وفاز الرئيس مرسي بالأغلبية في انتخابات الرئاسة وله الحق ديمقراطيا أن تتضمن الوزارة الأغلبية من حزبه، كما تفعل الديمقراطيات الغربية، فلم يقبل منه ذلك. في تونس فاز حزب النهضة بالأغلبية في الانتخابات وله الحق في أن تكون الأغلبية في الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات فرفض ذلك الأمر وما برح الحال في كل من مصر وتونس يعيش في أسوأ أيام هذين الشعبين باسم الديمقراطية.  سؤالي الأخير: هل المطلوب غربيا وأمريكيا منع وصول التيارات الإسلامية المعتدلة إلى هرم السلطة السياسية في الدول العربية المحيطة بإسرائيل على أن ينفذ ذلك المطلب بعض النخب السياسية العربية وثيقة الصلة بالمخابرات الغربية والأمريكية؟ آخر القول: هذه النخب السياسية الجوفاء كرهتنا في الديمقراطية بتفريغها من مفاهيمها الحقيقية، وبممارساتهم الدكتاتورية باسم الديمقراطية، كرهونا حتى في مفهوم المشاركة السياسية وحرية التعبير، لأنهم أساءوا ممارسة تلك الحرية ونزلوا بها إلى الانحطاط الأخلاقي.