11 سبتمبر 2025
تسجيليُعدُّ محمد بن جاسم بن عبد الوهاب الفيحاني (1325-1357هـ/ 1907-1939م)؛ أحد أبرز شعراء قطر، لبلاغة مفرداته، وإبداعه الشعري، وثقافته الواسعة المتنوعة ما بين الدينية، التاريخية، الأدبية. يقول د. محمد عبد الرحيم كافود (ولد 1949) في تقديم ديوانه إنه: «علم من أعلام الإبداع في قطر، ومنطقة الخليج العربي، شاعر عذري، عبقري مبدع، حدث بأشعاره الركبان، وتغنت على وقع قوافي قصائده الأفئذة والمهج، فأسمع صدى هذه الألحان في عصره القاصي والداني، وشاعت أشعاره الرقيقة الفواحة بأريج العفة والصدق والوفاء، فأصبحت مضرب الأمثال؛ لكل العواطف النبيلة، والخصال العربية، والإنسانية الحميدة». ويمكن أن نُعده خطاطًا ماهرًا، فهو صاحب قلم بديع، وتتميز كتاباته بحُسن الخط، كتب ودوّن شعره، ولكن أغلب مخطوطاته فُقدت، ولم يبق إلا القليل، إذ يحكي الرواة أنه كان يضع القلم خلف أذنه، والدفتر تحت إبطه؛ أينما حل وارتحل، ويكتب كتابة فنية، كأنها حروف طباعية. ويبدو مما اطلعت عليه من كتاباته، التي خطها بيمينه، أنه درس الخط والكتابة، ربما في المدرسة العربية بالهند، أو المدرسة المباركية بالكويت، أو مدرسة الهداية الخليفية بالبحرين، أو في الزبير أو الأحساء، وجميعها مدارس أهلية ونظامية، اضطلعت بتدريس العلوم الشرعية واللغة العربية، وحظي الخط فيها بالاهتمام والاحتفاء، ولهذا أتيح للفيحاني دراسة الخط وفنونه وجمالياته، ومارس الكتابة، وتعلق بالخطوط، فحسُن خطه، وكتب كتابة سليمة متناسقة مميزة عن سواها من الخطوط العادية لأبناء عصره. كما نستنتج من استخدامه لمفردات الخط والكتابة في شعره أنه كان مهتمًا بالقلم والكتابة والخط، إذ يقول: أنا اللي بذكراهم دموعي تسايلت على كل ما خطيت تمحي رقايمه ونلمس اهتمامه وارتباطه بالخط، وتدقيقه في طريقة الكتابة من قصيدته التي يرد بها على صديقه الشاعر أحمد بن علي بن شاهين الكواري (1906-1983)، إذ يشير فيها إلى القلم وأدوات الكتابة، كما يُلاحظ بحس الشاعر الخطاط الماهر أن مكتوب صديقه، أو رقيمه المخطوط، إنما خُط بقلم البنسل، أي القلم الرصاص، فيقول: والكتاب اللي به البنسل جرى بألف وأهلا حينما جاني رقيم ويذكر القلم، أداة الكتابة، في قصيدته، التي أرسلها إلى أحمد بن عيسى الإبراهيم المهندي، فيقول: عوج لي يا طارشي مقدار ميم ميم لام ويا بأطراف الأقلام كما يذكره في القصيدة التي أرسلها لشاعر الكويت ونجد سلطان بن فرزان السهلي (ت. 1939)، فيقول: عدو عليه رسالتي في تحارير راس القلم من جوف محزون ذايب ويشبه حاله بحال القلم فيها: مثل القلم حاله لحته المشافير عادت عظامه من لحومه سلايب وفي شطر أحد أبيات القصيدة يقول: «ما شفتني أبري القلم للتساطير». وهكذا يحتفي الفيحاني بالقلم والكتابة والخط في شعره، وحياته، فكان يقرض الشعر، وينظمه ويدونه بخط يده، فيقول بقلب الشاعر، ويكتب بقلم الخطاط، إلا أكثر ما دونه بخطه فقط، وبقي منه القليل.