13 سبتمبر 2025
تسجيلالجدل الدائر حول نتفليكس مستمر، والنقاش حول تأثير هذه المنصة على ثقافاتنا ومجتمعاتنا يتصاعد كلّما ظهر فيلم جديد أو مسلسل نحسبه بُعبعًا سيبلع أمتنا، والتي يجب أن تكون أقوى بكثير من أن يهزّها «كيلوت» ممثلة. كمجتمعات عهدنا أنفسنا على انتقاد الملابس الداخلية، فنحن شعوب مولعة بذلك، وما «كيلوت» الفنانة مادونا الذي بيع بآلاف الدولارات في لبنان خلال التسعينات إلا دليلًا على ذلك. غالبًا ما تُلهينا الظواهر وقلّما نطرح التساؤلات الجوهرية عن البواطن، نعم الآفات الاجتماعية موجودة في مجتمعاتنا، ولكن في المقابل القصص الإنسانية الجميلة والرائعة والتي تعكس علاقات الصداقة، والألفة، والمودة، والرحمة بين الأزواج، موجودة أيضًا. المنتجون يُسلطّون الضوء على الوجه البشع من عالمنا لأنهم يستهدفون الربح الذي يعتمد على رفع نسبة المشاهدة، والجدل يرفع عدد المشاهدين. الناس مشغولة بين مؤيد ومعارض لـ»الغزو الثقافي»، تلك الشماعة التي نُعلق عليها إخفاقنا في بناء مجتمعاتنا، ولكن هل تساءلنا يومًا عن وجهة الاستثمارات الحكومية واستثمارات كبار رجال الأعمال في جميع الدول العربية دون استثناء؟ أدعوكم للتفكير برهةً بوجهة استثمار التبرعات التي يمنحها المسلمون سنويًا للجمعيات الخيرية، كم من هذه الأموال تُصرف على مشاريع تقليدية لم تعد المجتمعات أصلًا بحاجة لها، لماذا لا تُستثمر هذه الأموال في إنتاج أفلام ثقافية ضخمة تتجلى فيها الأخلاق العربية الأصيلة، وتعكس قصصا اجتماعية وإنسانية تصل إلى العالم بأكمله؟ لأن السينما حرام؟! لماذا ننتقد غزو الشركات العابرة للقارات مثل «نتفليكس»، وفي الوقت نمنع أبناءنا من دراسة صناعة الأفلام والإخراج والتمثيل ونكتفي باستقطاب الممثلين العالميين ودفع مبالغ طائلة لهم ليقولوا كلمة إطراء بحقّ مجتمعاتنا. أما بالشكليات، فقد هزّ موضوع الخيانة الزوجية عرش الأُسر العربية وكأنها بعيدة عن مجتمعاتنا، والشذوذ أثار غريزة الدفاع عن النفس فينا، ونحن نُدرك أن العديد من العائلات تُزّوج أبناءها وبناتها الشاذين للتستر على مشاكلهم، حيث الخوف من المجتمع أكبر من الخوف من الله سبحانه وتعالى، إذ يتم خداع الزوج أو الزوجة، لتُكشف الحقيقة فيما بعد، وتبدأ الأسرة بالانهيار. «أصحاب.. ولا أعزّ» لا يرقى إلى مستوى الفكر العربي الذي نطمح إليه، بل عرض جانبًا واحدًا من الحقيقة، دون طرح الحلول، وصوّر مفهوم الصداقة على أنه هشّ وقائم على عقلية الحكم على الآخرين ومساءلتهم دون النظر إلى عيوبنا. فالذي يخون زوجته ويطعن في شرف صديقه، هو نفسه من يجلدُ صديقه الشاذ لأنه يعتقد أن ذنب الزنا أخفّ من ذنب الشذوذ. كذلك أخفق الفيلم في إيصال رسالة الخصوصية، فقد روّج للخصوصية على أنها مرادف للأسرار المقيتة، وأن التكنولوجيا هي السبب في تدمير العلاقات الأُسرية، كما أخفق في حقّ المرأة العربية، حيث صوّر أنّ طموحاتها في هذه الحياة مُحدّدة في «جوّال» زوجها ورصد تحركاته العاطفية، على اختلاف درجتها العلمية والاجتماعية! وإلى الذين يناشدون الحكومات العربية ضرورة إلغاء نتفليكس، أنتم تتهربون من مسؤوليتاكم بتوعية أبنائكم وتربيتهم وتعليمهم كيفية التعامل مع الآفات الاجتماعية. اخرجوا من عقلية تحصين الأبناء بالإكراه، لأنها لم تعد تجدي نفعًا. لنُعلّم أبناءنا حبّ التمسك بمبادئنا عن قناعة لا بإكراه من الدولة والمطوع، لنُطوّر طريقة تفكيرنا في مواجهة «الغزو الثقافي» ونتساءل كيف نتصدّى بأدوات عصرية للأفكار السامّة. من يُريد مواجهة سموم «نتفليكس» فليستثمر جهده وماله وفكره في بناء المجتمعات بالصدق، ومعالجة الأمور بشفافية، وبالتعليم، والتعليم، ومنح الحرية للمثقفين بمناقشة الأفكار والظواهر، وتغذية الإبداع النابع من ثقافتنا وعاداتنا وأخلاقنا، والتوقف عن استيراد من يُقيّمنا، ومن يُعلّمنا، ومن يكتب لنا أفكارنا ويُترجمها.فيلم الرسالة، والمصير، وغيرها من الأفلام العريقة هي الوجه الحقيقي لثقافتنا.. ولا تنقصنا الموارد ولا الطاقات الشبابية لابتكار أفلام تُرسّخ هذه الثقافة وتنشرها.. ولكن جهدنا ووقتنا وأفكارنا وأموالنا تصبّ في جيب الرقابة التي نطالبها برصد «البوسة» و»الكيلوت».