13 سبتمبر 2025
تسجيللم يذق الشعب المصري أي حلاوة موعودة بالتغيير نحو الأفضل كما كانوا يعتقدون بعد خمس سنوات من ثورة 25 يناير والتي أطاحت إرهاصاتها بالرئيس حسني مبارك، الذي لا يزال في نظر كثير من المحبطين ورجال النظام السابق هو "رئيس بلا جمهورية"، فلا المحاكمات ولا السجن ولا القرارات الصادرة بحقه وحق أسرته وأعوانه كانت حلم المظلومين والصابرين سنين طويلة ينتظرون الفرج وتبدل الحال، وأمس الاثنين إذ تصادف الذكرى الخامسة للثورة المبرمجة، لم يخرج كثير من الفعاليات والنشطاء والقوى السياسية لإحياء الذكرى خوفا من بطش السلطات.في تونس لم يكن الحال أفضل، ففي الذكرى الخامسة للثورة الأولى في ربيع العرب القاحل عاد المواطن ليحرق نفسه، وذلك دلالة على فشل الثورة في تحقيق أحلام المواطنين، ولا تزال التحديات أمام الحكومة التونسية والشعب بشكل عام كبيرة ومعقدة وعلى رأس المشكلات هناك الهاجس الأمني الذي افتقدته تونس بعد حكم بن علي الحديدي.ليبيا يعلمها الجميع ويعلم ما جرى سابقا ولاحقا وكيف آلت الأمور إلى شتات سياسي وعودة إلى عصر القبيلة، رغم كل أدوات التجميل السياسي الذي تحاول الأطراف كافة تزيين الواقع به، فلا دولة ولا حكومة ولا جيش يحكم تلك الخريطة الشاسعة من شواطئ الأبيض المتوسط حتى صحراء تشاد، وهذا كله يسترعي انتباه المحلل السياسي الذي يعتمد على قراءة التاريخ ليفهم ما جرى وما يجري لأمة العرب.سوريا أُشبعت قضيتها كلاما وتفسيرا وبكاء على حالها وحال شعبها، بعد أن سلم رئيس نظامها بشار الأسد جزءا من أرضها إلى الجيش الروسي لبناء قواعد لا تحكم بالقوانين السورية، وترك الأراضي الواقعة في شمال سوريا، والتي تضم القواعد العسكرية الروسية بما فيها مطار "الحميم"، ملكية خاصة لوزارة الدفاع الروسية بحيث لا تخضع أي من تلك القواعد ولا الجيوش لأي قانون سوري، وهي معفاة تماما من المسؤولية القانونية حتى لو قتل الجيش الروسي وطيرانه الشعب السوري كاملا، وهذا يُعد في أدب السياسة وقوانين الدول خيانة عظمى، ولكن هناك دائما مبرر، ولكن في نظرنا هو دليل بشع على فشل الثورة.حتى في التاريخ القريب، لننظر إلى العراق حيث احتُلت البلاد وأسقط النظام وأعدم الرئيس وطورد نصف الشعب من أبناء السنة، حتى سيطرت إيران على المفاصل السياسية والعسكرية في العراق، وجاء نظام حكم لا يختلف عن نظام البعث لتتبدل الأسماء وتبقى أدوات القمع والقتل والتشريد كما هي مع استبدال المستهدفين وهوياتهم الدينية، وهذا فشل أيضا في إحدى أدوات تغيير الأنظمة والتي كانت فاتحة تحريض على التغيير في العالم العربي من قبل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.اليمن لم يعد سعيدا ولن يعود، بعد أن احتلت طائفة الحوثيين وتآمر الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وحشده لقوات كبيرة من كتائب الجيش الموالية له للسيطرة مجددا على الأراضي اليمنية وإعادة الشعب الثائر إلى حظيرة الطاعة، وفي سبيل ذلك لم يأل صالح ولا الحوثي أي جهد ولا سبيل لتحقيق مآربهم فطلبوا النجدة من إيران، وسمحوا لها بفتح جسر جوي لتتدخل في صراع داخلي، ولم يلتفت أحد إلى أن ذلك خيانة عظمى أيضا.النتيجة النهائية التي قد يصل إليها المتفكر بأحوال العرب ودولهم وأنظمتهم السياسية وقياداتهم وعقلياتها والعقيدة التي تحكم الرؤساء الذين حكموا بلا سند قانوني ولا تاريخ عائلي في الحكم، يصل إلى نتيجة مفادها أن لا فائدة من أي ثورة عربية ضد أي نظام قائم حاكم بسلطة الجيش والمخابرات العسكرية، فحتى في ظل سقوط أي من الرؤساء كما حدث مع بن علي ثم مبارك والقذافي وصالح، فإن هناك من يقوم بإعادة الالتفاف على الثورة لإحباطها وتنفيس غضب الشعب مؤقتا، وذلك لتمكين الغرفة السوداء لإعادة بناء هيكلية حكم جديدة غير ما يحلم به الشعب، أو إذا لم يستطيعوا فإنهم يدعمون إحراق البلاد بما عليها لدفع الشعب إلى اليأس، فلا مصر أصبحت أفضل ولا ليبيا خرجت من قبرها ولا تونس عادت خضراء كما حلمت ولا اليمن تفجرت ينابيع العسل بين يدي شعبه المنقسم.النتيجة هي أن الحل لتغيير الأنظمة بأقل الخسائر في عالمنا العربي وللأسف هي الانقلابات العسكرية، فقد يقتل الرئيس أو يعزل ثم يحاكم، ثم يأتي بعده نظام حاكم جديد ليشكل حكومات جديدة ويفرض قوانين جديدة في أفضل الأحوال، وهذا ما تربت عليه الشعوب العربية منذ رحيل الاستعمار، فليس هناك من بلد ذكرناه سابقا لم يقع ضحية للانقلابات، فالموت السريع للقائد ونظامه يبقى أفضل بكثير من ثورات تحرق البلاد وتقتل العباد ثم لا يحصد الناس سوى اليأس واللجوء والقتل والتشريد والمطاردة من الطابور الخامس الذي كان مختبئا ليتحين الفرص، ومع هذا فلا أمل في القريب بأي تغيير في عقلياتنا وتفكيرنا.