13 سبتمبر 2025

تسجيل

هو فين راح الربيع العربي!

26 يناير 2014

وأنت في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، وتريد أن تتعاطى السياسة، فلا يفوتنك أن تغشى مقاهيها العامرة بكل صنوف الجدل، الفكه منه، والمغاضب. إن تفعل هذا، فسوف يكون صيدك المعرفي في يومك ذاك صيدا ثمينا. وبأقل التكاليف. هذا إن كانت أحوالك الصحية تحتمل دخاخين الشيشة التي ستحاصرك من كل جانب. واحرص على ألا تظهر تبرما من أي نوع وإلا وجدت من يفحمك ويسألك موبخا: لماذا لا تروح إلى الهيلتون يا خويا وتجلس فيه. في يوم إعلان نتيجة الاستفتاء المصري على الدستور المصري الجديد، اكتظت المقاهي والمطاعم والمكتبات، وغيرها بخليط هائل من البشر المصريين انتظارا لسماع النتيجة. الرجل المصري السبعيني ينظر في الشاشة البلورية الكبيرة بتركيز لافت. القناة الفضائية تعرض، بالصوت والصورة، مشاهد من التفجيرات العنيفة التي ضربت إحدى المدن العراقية. ضرب الرجل كفا بكف من أسف ومن حزن ظاهر وهو يحدق في أكوام الجثث التي تكدست فوق بعضها البعض، يزفر زفرة عميقة، ثم يرشف رشفة خفيفة من كوب الشاي الذي أمامه قبل أن يتمتم بكلمات خفيضة: ضحكوا علينا الأنجاس المناكيد، قالوا لينا ربيع عربي. في زمتكم ده ربيع. هسع العراقيين دول موش كان أحسن ليهم الهبل اللي بقولوا عليه صدام حسين من الهبل الطائفي اللي بقولوا عليه المالكي، اللي داشي فيهم تقتيل صباح مساء! أحد الحاضرين يصيح في وجهه: يا حاج التغيير اللي حدث في العراق ما كانش ربيع عربي. ده عملتو أمريكا. يرد السبعيني بابتسامة ساخرة: آه، صحيح والله، افتكرت. أصلو المقهى مليان سياسيين عشان ينورونا. هو فيه غيرهم الأيام دول. بس ربيع العرب مين اللي عملو؟ ده طلع مليون مرة أوحش من ربيع الأمريكان. شايفين الإنتاج في سوريا وليبيا واليمن. حصاد مر والحمد لله. انتو ربيعكم ما حصلش ولا إيه؟ لا حصل ونص. اللي عمله السيسي ربيع ونص كمان والحصاد أهو محاكم من كل الأنواع. بس أمريكا قالت ده انقلاب موش ربيع، حد يقدر يغالط أمريكا: لا، أمريكا غلطانة: العرب ما عملوش أيها حاجة. لا انقلاب ولا ربيع. دول بعرفوا يتفرجوا صاح، يخرب بيتهم العرب: ما عملوش أيها ربيع. ضحكو علينا. ده انا بزعق سنتين ومصدق حكاية الربيع العربي وعامل دوشة عشان أهداف ثورات الربيع العربي تتحقق! يطلع دبح عربي. يادي الخيبة. الجلوس في الأماكن العامة في قاهرة المعز، من مقاهٍ ومطاعم، ومسارح، وسينما، يسري أكدار النفس مما تسمع من حوارات فكهة وعميقة يجود بها روادها الذين تظن، من النظرة الأولى، أنهم لا في عير السياسة ولا في نفيرها. ولكن سرعان ما يتضح لك أنهم فلاسفة وسياسيون على الآخر. صاح أحدهم في وجه الرجل السبعيني: منور سياسة تمام والله. تحكي على العراق وسوريا وليبيا. وما تحكيش ع الحاصل في أم الدنيا. تكون موش سامع ولا إيه؟ ولا إنت من الجماعة المضروبة. أصلو المضروب ما يسمعش: لا يا خويا. أنا موش مضروب. أنا سامع وحاسس والله. بس منتظر ع بال ينتهي التنظيف! ويضحك الرجل ضحكة عالية. وينده على النادل: واحد شيشة ممتاز لعمك المنصوري. أصلو اليوم عامل مدرس بتاع جامعة! لو حافظ الشعب المصري الشقيق على روحه السمحة الممراحة الفكهة التي تسري عنه أكدار حياته الكثيرة، يكون قد حافظ على كنز لا يقل قيمة عن كنوز الملك اخناتون. التشوين والاستقطاب السياسي الجديد هما الخطر الذي أخذ يهدد كنوز مصر الاجتماعية.