17 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان.. نذر اقتصادية وسياسية خطيرة !

01 سبتمبر 2014

وزير المالية السوداني أعلن هذا الأسبوع، ومن دون أي مواربة، أو مداورة في إحدي مؤتمرات أنه سيبدأ في تنفيذ سياسة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، وتشريع المزيد من الضرائب المباشرة علي المواطنين مع بداية شهر يناير القادم. وتبارى مسؤولون كبار في الحكومة وفي حزبها في التنبيه علي خطورة ما تنوي الحكومة الإقدام عليه من إجراءات اقتصادية ستصب النار في الزيت الذي ظل الساخن أصلا. لأن قضية ضحايا انتفاضة سبتمبر 2013 لم تقفل بعد. ومعروف أن ضحايا سبتمبر 2013 سقطوا أثناء انتفاضة مناهضة لقرار رفع الدعم عن سلعة الوقود الإستراتيجية. قطعا نظام الرئيس البشير لا يحتاج لمن يذكره أو ينبهه إلي خطورة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية. وهو النظام الذي واجه غضبة شعبية خطيرة في سبتمبر 2013 كادت تودي به بسبب إقدامه على رفع الدعم عن سلعة واحدة هي سلعة الوقود. فقد استبان النظام يومها حجم المجازفة الخطيرة التي أقدم عليها برفع الدعم عن تلك السلعة الإستراتيجية، حين رأى كيف التهبت المشاعر الشعبية ضد الحكومة بصورة أدت إلي خروج معظم المدن السودانية في مظاهرات احتجاجية حاشدة. وكانت تلك المظاهرات من الخطورة بمكان الأمر الذي حتم على الأجهزة الأمنية التصدي لها بعنف دموي نتج عنه مقتل ما يقارب الثلاثمائة قتيلا. وما زالت منظمات حقوق الإنسان تداوم المطالبة بنشر التقرير الخاص بالتحقيقات الرسمية في تلك الأحداث مع تقديم المتورطين في ذلك العنف المفرط إلي ساحات العدالة. إعلان الحكومة عن نيتها في العودة إلي سياسات رفع أسعار السلع الاستهلاكية وتشريع المزيد من الضرائب المباشرة علي مواطنيها المرهقين لا يعتبر نوعا من التحدي للمشاعر الشعبية بقدر ما يعتبر عدم الحيلة وغياب البدائل لدي حكومة تحاصرها نتائج محنة الانفصال الذي فتت بلدها، وأضاع عليها ثروات طبيعية كانت محط نظر العالم. الحكومة السودانية ظلت تطرق المحافل الإقليمية والدولية على مدى زاد عن ربع قرن من الزمن حتى الآن تبحث فيها عن الوساطات والوسطاء الذين يساعدونها في لملمة شعث علاقاتها مع شعبها. وتبحث فيها كذلك عن الدعم الاقتصادي والمادي والسياسي الذي يخفف عنها الضغوط الهائلة ولو بحجم يسير يعطيها برهة لاسترداد الأنفاس. إلا أن عائد هذه الجهود وتلك المحاولات كان ضئيلا علي كل المستويات. فالعقوبات الدولية مازالت مستمرة بشراسة، والمقاطعة السياسية لرئيس البلاد من قبل مجلس الأمن ما زالت علي أشدها. وعلاقات البلد بمحيطها العربي الذي كم وفر لها الملاذ الآمن في الماضي غير البعيد في العديد من الحالات الحرجة، شابتها شوائب أمنية وسياسية لم يستطع النظام الفكاك من تأثيراتها المباشرة. ولا يبدو في الأفق أي ضوء يعطي النظام بارقة من أمل في التخلص وعثاء المكوث في هذا القمقم المظلم. في ظل هذا الحصار المتعدد الجوانب والمسببات اضطرت الحكومة في الأسبوع المنصرم إلى أن تهيئ أذهان شعبها للقادم غير السعيد فيما يختص بمعاشه اليومي علي ما في هذه البشارات غير السعيدة من مخاطر مسبقة كأن يبدأ خصوم النظام الكثيرون سن سكاكينهم انتظارا لليوم المرصود. قد يسأل سائل وباستغراب شديد لماذا تضرب الحكومة السودانية أكباد إبلها في كل الاتجاهات بحثا عن الوسطاء الأجانب، ولا تجرب الجلوس مع شعبها مباشرة، ومن دون وسطاء عملا بالمثل القائل: ما حكّ جلدك مثل ظفرك. الإجابة التي يعرفها حتى المواطن السوداني البسيط تقول إن حكومته تريد الجلوس والتفاوض مع شعبها علي شروطها هي. ولقسوة تلك الشروط، فإن أحدا من شعبها لم يتقدم ليضع الرسن حول عنقه. ولن يتقدم في المستقبل المنظور. ولكن ما زال الأمل معقودا علي حكمة عموم أهل السودان أن ينقذوا ما تبقى من البلد الذي كاد يكون بحجم قارة!