17 سبتمبر 2025
تسجيلالحديث عن الشباب حديث عن المستقبل والتغيير والآمال الطموحة.. فأين موقع هذه الشريحة من أولويات اهتمام مجتمعاتنا العربية التي توصف بالفتية، وهل تحظى بما تستحقه على مستوى البناء الثقافي والمعرفي وتنمية المهارات والإمكانات وإطلاق المبادرات واستثمار الطاقات. أسئلة لا بد من طرحها وأخذها على محمل الجد خصوصا إذا علمنا أن نسبة الشباب بحدود 20 بالمائة من مجمل سكان العالم العربي (أي حوالي 70 مليون شاب وشابة) وقد ترتفع النسبة إلى أكثر من ذلك حسب بعض التقديرات التي تصل بها إلى 30 بالمائة. سأتجاوز الحديث عن القطاع الحكومي وواقع حاله لأن الخوض فيه قد يطول، وربما قد يصيب متتبعه بالإحباط واليأس والقنوط، وسأقصره على جهود منظمات المجتمع المدني، والأحزاب، ودور رجال الأعمال والبيوتات المالية، والمؤسسات الإعلامية والشبابية والثقافية والفنية والأحزاب الأهلية والخاصة لأقول إن الأمر ليس بأحسن حالا رغم بعض المبادرات التي تستحق الثناء والتقدير هنا وهناك، ولكنها دون المأمول، وهي لا تتناسب والفراغ الكبير في هذا الفضاء. معروف أن سن الشباب هو الفترة الذهبية لبناء القدرات المعرفية والمهارية، وهنا أتساءل: كم عدد المؤسسات والبرامج العربية التي تعمل في حقل الاستثمار المعرفي، وتتيح للشباب فرصا حقيقية للتدريب وتطوير المهارات، وكم هو المتوفر منها بأسعار معقولة تطيقها هذه الشريحة ومن يعيلها، مع ضرورة الإشارة إلى ما يحيط بهذه الصنعة من إشكالات تتصل بضعف المخرجات والقائمين عليها، والدوافع التي ارتبطت بقضايا شكلية ـ لا فعلية في كثير من الأحيان ـ في أذهان المستفيدين، إذ لا يخفى أنها أصبحت ضرورة لابد من إثباتها في السير الذاتية لإيجاد أو تسهيل الحصول فرص العمل. وقريبا من هذا السياق، معلوم أن لدى الشباب أوقات فراغ لا تتوفر لغيرهم وقدرة على الإسهام في خدمة المجتمع من حولهم بحكم القدرات البدنية والذهنية وروح المبادرة والعطاء، والسؤال الذي يطرح نفسه كم يستفاد من هذا الوقت للصالح العام والإسهام في تنمية ونهضة المجتمعات العربية، والذي تقاس قيمته الاقتصادية بعدد ساعات التطوع التي يقدمونها، لا شك أن تطوع الشباب ثروة كبيرة يتم تضييعها، ومن خلال المتابعة المسحية يتضح بجلاء ندرة المؤسسات المتخصصة في هذا المجال والمشاريع الموجهة لهذا الجانب سواء من قبل المنظمات الشبابية أو المؤسسات الخيرية، ومن العجيب أن تسوّق الجمعيات المعنية بالشأن الإنساني للمشاريع الخيرية التي ترغب في تنفيذها ولا تسوّق بنفس القدر والاهتمام للعمل التطوعي خصوصا في أوساط الشباب، ولا تستفيد من جهدهم وإمكاناتهم ووقتهم كقيمة مقدرة كما هو حال التبرعات التي تحصل عليها لتنفيذ المشاريع والخدمات الإنسانية. وإذا كانت نسبة البطالة بين الشباب العربي لا تقل عن 25 في المائة، فإننا لا نكاد نجد من المؤسسات الخيرية اهتماما كافيا بالمشاريع الصغيرة المدرة للدخل التي تمكّن من تشغيل الشباب وتخرجهم من مستنقع الفقر ودوامة الحاجة وتضمن لهم الاستقرار من خلال الزواج وبناء الأسر، والشيء نفسه يمكن أن يقال عما يفترض أن يقوم به رجال الأعمال وأصحاب والبيوتات المالية تجاه مجتمعهم، وهنا ـ على مستوى دولة قطر ـ لا بد من الإشادة بمجهودات دار الإنماء الاجتماعي من جهة لتركيزها على هذا الجانب، وجهود رجل الأعمال المعروف إبراهيم الأصمخ الذي تبرع بـ 100 مليون ريال لقطر الخيرية من أجل إنشاء مؤسسة تهتم بالإقراض الأصغر، وتعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية من جهة أخرى. وإذا كانت وسائل الإعلام تلعب دورا مهما في حياة الكبار والصغار وتؤثر فيهم سلبا وإيجابا، خصوصا في عهد القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية فإن نظرة فاحصة للمشهد الإعلامي العربي تكشف عن حجم التفريط بجيل الشباب على هذه الضفة..بدءا من ندرة الفضائيات والمواقع الإلكترونية والصحف والمجلات والصفحات والمنتديات المتخصصة في هذا المجال، ومرورا بضآلة الاهتمام بقضاياه والتركيز عليها في الخطط والبرامج والمساحات الإعلامية ضمن هو متوفر من وسائط على الساحة، أو الاقتصار على برامج تهتم بقضايا الفن الهابط والموضة والنزعات الشكلية الضارة والاستهلاكية التافهة وما يسمى ببرنامج تلفزيون الواقع كبرنامج " ستار أكاديمي" وغيره، وانتهاء بعدم وضع خطط لاستثمار التطور المتسارع لشبكات الاتصال الاجتماعي والرقمي وبما يسهم في التنمية الثقافية والسياسية لهذا الجيل بدلا من تركيز النسبة الكبيرة فيه على قضايا التسلية و " الشات" وربما الاستغراق بما هو أسوأ من ذلك. نريد جوائز لرعاية مواهب الشباب وتكريم الناشطين منهم، وحملات توعوية لتعزيز السلوكيات الإيجابية والتفكير الإبداعي في حياتهم، نريد التفكير بأوقاف لرعايتهم واحتضان مشاريعهم، ودعم مبادراتهم، نريد مكتبات ومقاه ثقافية تخصص لهم.. نريد ونريد.. ونريد قبل هذا وبعده أن يكون الشباب شريكا أساسيا في بناء وتطوير ذاته وصياغة حاضره واستشراف مستقبله. إن هذه الشريحة العمرية لابد أن تلقى اهتماما خاصا لدى الشعوب والأمم لأنها ثروتها الحقيقية، ورصيدها الإستراتيجي، وعدّتها وعتادها لأي تغيير مطلوب أو تنمية منشودة، ولأن الحديث عنها هو حديث عن المستقبل.. ولكن هل هذا الحال ينطبق على عالمنا العربي، وهل يحتل الشباب سلم الأولويات في اهتماماته على المستوى الخطط الإستراتيجية الخمسية أو العشرية، وعلى مستوى البرامج التي تسهم في بناء قدراته وتطوير مهاراته وتعالج المشكلات التي تعترضه والتحديات التي تواجهه وتعمل على استثمار إمكاناته وتفجير طاقاته الذاخرة بالعطاء وإدماجه لإنجاز مشاريعها النهضوية.